مال و أعمال

الإستثمارات تتدفَّق إلى السواحل السورية: دروسٌ للبنان قبل فوات الأوان

Spread the love

المرافئ السورية… صعودٌ مُتسارِع ومخاوِف لبنانية مشروعة..

بقلم: الدكتور بول الحامض

في لحظةٍ تبدو وكأنَّها انقلابٌ جيوسياسي وإقتصادي على المشهد التقليدي، بدأت المرافئ السورية تخرُج من غُبار الحرب باتِّجاه ضوء الإستثمارات الدولية.
المليارات تتدفَّق، والموانئ تتحوَّل إلى بوَّابات واعِدة للتجارة الإقليمية والعالمية.
بينما تعود سوريا إلى الخارطة البحرية بقوة، تقف المرافئ اللبنانية أمام مُفتَرَق طُرُق: إمَّا التحديث السريع والتكامُل الجُمرُكي الذكي، أو التهميش والإنكماش في ظلّ عودة “المُنافِس السوري”.

استثمارات بقيمة تتجاوز مليار دولار خلال أسابيع قليلة، وتحديدًا في موانىء طرطوس واللاذقية..
ليست مُجرَّد أرقام، بل إعلان واضِح بأنَّ المرافئ السورية أصبحت أولوية استراتيجية في عملية إعادة الإعمار والإنفتاح الإقتصادي.
إنَّ دخول أسماء عالمية مثل موانئ دبي العالمية وCMA CGM يُؤكِّد أنَّ “اللعبة البحرية” في شرق المتوسط قد بدأت من جديد، وسوريا عادَت لاعِبًا رئيسيًّا.

لطالما كانت الميزة الجغرافية لسوريا خريطة رابِحة: ساحل على المتوسط يربطها بأوروبا، وامتدادات برّية إلى العراق والأردن والخليج.
وفي ظل الدَّعم من رأس المال الخليجي والصيني والفرنسي، تستعيد الموانئ السورية مركزها الإقليمي والمحوري في سلاسل الإمداد.

من الطبيعي أن يُثير هذا المشهد قلقًا في لبنان، خصوصًا أنَّ مرافئه – بيروت وطرابلس – عانت من مشاكل بُنيويَّة وإداريَّة، فضلاً عن الضربات القاسية التي تلقَّاها ميناء بيروت بعد انفجار 2020. وفيما لا تزال بيروت تتلمَّس طريقها نحو إعادة الهيكلة، تُواجِه تحدّيًا وجوديًّا: هل تستطيع الصمود كمرفأ عبور ولوجستيات، أم ستُهمَّش أمام سرعة الإقلاع السوري؟

الأخطر من ذلك أنَّ الإنفتاح الإقتصادي على سوريا – في ظل ضُعف التنسيق الجُمركي – قد يفتح الباب أمام نقل غير مُنظَّم أو حتى تهريب السلع والبضائع من المرافئ السورية إلى الأسواق اللبنانية. وهو أمرٌ قد يُضعِف الإيرادات الجمركية اللبنانية ويزيد من التحديات التي يواجهها القطاع الصناعي والتجاري المحلي.

الواقع يفرض ضرورة التفكير في مقاربة تكاملية لا تنافسية بين المرافئ اللبنانية والسورية، وهو ما يتطلَّب:

تحديث البنية التحتية في المرافئ اللبنانية، خصوصًا مرفأ طرابلس الذي يمتلك قدرات نمو حقيقية يمكن تفعيلها بالشراكة مع القطاع الخاص.

توحيد المعايير الجمركية وتفعيل التعاون الأمني الحدودي مع سوريا، لمنع أي تدفُّق غير مُنظبِط للسلع وإغلاق ثغرات التهريب، عبر إدخال نُظُم تتبُّع ذكية وفرض الشفافية على آليات النقل البري والبحري.

إقرار حوافز جمركية وضرائبية في المرافئ اللبنانية لاستقطاب شركات الشحن التي بدأت تتجه نحو سوريا، خصوصًا تلك المُتردّدة في الدخول المباشر إلى السوق السورية بسبب مخاطر قانونية أو سياسية.

تحويل لبنان إلى مركز إعادة تصدير (Re-export hub)، وهو نموذج يعتمد على الاستفادة من موقع لبنان وخبراته اللوجستية في إعادة توجيه البضائع نحو أسواق الخليج وأفريقيا، دون أن يصطدم مباشرة بالمرافئ السورية.

صعود المرافئ السورية لا يجب أن يُنظَر إليه كتهديد، بل كدعوة عاجلة للبنان كي يُعيد تعريف موقعه في خريطة التجارة الإقليمية. فمن لا يُطوِّر مرافئه اليوم، سيتحوَّل غدًا إلى محطة عابِرة تُهمَّش على خرائط التجارة والشحن.

المرافئ لم تَعُد مُجرَّد بوابات بحرية، بل مفاصِل استراتيجية ترسُم النفوذ الإقتصادي للدول.

إنَّ سوريا، بما حازته من استثمارات في زمنٍ قياسي، تُعلِن أنَّ زمن العزلة قد ولَّى، والكرة اليوم في ملعب بيروت وطرابلس.

د. بول الحامض
خبير جُمركي في شؤون المرافئ واللوجستيات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى