لست وحيداً ..بقلم الدكتورة سمر الشامسي
في عالم سريع التغير، يواجه الكثير منا شعور الوحدة الذي يزداد وضوحًا في الأوقات العصيبة. تتناول الكاتبة د. سمر الشامسي في مقالها “لست وحيداً” هذا الشعور الإنساني العميق، وتناقش كيف أن الوحدة ليست مجرد حالة نفسية تخص الأفراد فقط، بل هي جزء من الظرف الاجتماعي الذي يعيشه الإنسان في مجتمعات تتزايد فيها الفردانية والعزلة.
د. سمر الشامسي تسلط الضوء على كيفية معالجة هذا الشعور، وتعرض بشكل نقدي الحلول التقليدية التي تتجاهل الجذور الاجتماعية والإنسانية لهذه المشكلة، مؤكدة أن الأزمات الإنسانية التي يولدها الانعزال الاجتماعي تتطلب حلولاً جماعية وشاملة. كما تتناول التغيرات التي طرأت على العلاقات الأسرية والعاطفية في ظل التطور التكنولوجي، لتؤكد أن العلاقة الإنسانية الحقيقية تتجاوز التطبيقات الخوارزمية والمؤسسات الرقمية.
عبر هذا المقال، تدعو د. سمر القارئ إلى تأمل حقيقة مشاعره، وتؤكد أن العاطفة الإنسانية تظل أعمق من مجرد استجابات فردية، بل هي جزء من نسيج اجتماعي يربط الناس ببعضهم البعض. “لست وحيداً” هو دعوة لإعادة الاتصال بالآخرين، والتأكيد على أهمية العروبة كقيمة إنسانية حية، تتجاوز المسافات وتمنح الأمل وسط تحديات الحياة.
لست وحيداً
الوحدة شعور ينتاب معظمنا، ويتضح هذا الشعور عند المواقف الصعبة، ولدينا فكرة راسخة
من أن الوحدة هي نوع من العطب الشخصي، وهو دليل على افتقار الوحيد للمهارات اللازمة ليحقق تواصلا قد يؤدي به لا لوجوده مع الآخرين بل الشعور بهذا القرب وميزاته .
لكن ماذا لو لم يكن الأمر خاصا بالشخص الذي يشعر بالوحدة فحسب؟ ماذا لو كان هذا كسائر المشاعر الأخرى لها جانبها الإنساني، وأن المجتمع يدفع بها ويكيفها بالطريقة التي أخبرناه بها.
يقول بعضهم: إن علينا التفكير مليا في هذا المجتمع مفرط الفردانية، والذي يطالبنا بممارسة المسؤولية الشخصية، والذي سينتج بالضرورة طريقاً محدداً لإدارة عواطفنا، فعندما تقدم لنا الحلول للتعامل مع الوحدة، تكون نصائح شخصية، أو أن تنضم لمجموعة تطوعية، وكلها تعد حلولاً زائفة لمشكلاتنا العاطفية، وما هي إلا بديل للحلول الكبرى التي ينبغي أن يعمل عليها الجميع، والحقيقة أن تعاظم الشعور بالوحدة المرتبط بقيم العصامية والاستقلالية يأتي بالتزامن مع تزايد الأزمات الخاصة من الذين يريدون اختراق خصوصية الإنسان أو التعدي على استقلاليته، فهنالك خطاب متصاعد حول جدوى العلاج النفسي، كما أن العديد من تطبيقات الهواتف الذكية قادرة على أن توصلك بالأشخاص المناسبين للصداقة والعلاقات، بناء على خوارزميات معقدة.
وأنشأت بالفعل الكثير من الشركات التي تحقق أرباحاً كبيرة، وهذه خدعة أخرى تشعر بالراحة الزائفة أو المؤقتة لكنها ليست حلا جذرياً المشكلة الشعور بالوحدة، وقد أرجع الكثير من المنظرين أن السبب تضعضع دور العائلة والأسرة، وعن تفكك والعلاقات فيها على انحدار بسبب غياب دور الرقابة الذي ينبغي على الآباء والأمهات ممارسته، مهما اختلفت المشكلات داخل العائلة، لكن الوضع ربما يسوء ولو أنه ليس بالقدر نفسه، ومرد ذلك أن العلاقات الأسرية ضاغطة، وهي ملزمة بحكم روافدها الدينية والاجتماعية، فلا يعني اللقاء الأسبوعي بالعائلة، أننا نتواصل معهم فعلا!
قد نعيش طوال الوقت مع عائلاتنا من دون أن يتعرفوا علينا أو يفهموا الطريقة التي تفكر بها، أما الحقيقة التي لا مراء فيها وتنجلي كضوء الشمس في كبد السماء، أننا في عالمنا العربي مهما شعر الإنسان بالوحدة إلا أنه يحظى بتعاطف من حوله حتى لو لم يقدموا له العون، فمشاعر العروبة التي اكتسبت من دفء حرارة الصحراء الكثير تتضامن وتتضافر الجهود في مواساة الآخرين بالمواقف الصعبة، ربما لا تكون بالقدر الملحوظ لكنها لا تندثر، فهي تمرض لكنها لا تموت، لذلك يجب أن تؤمن دائماً بهذا الشعور ونقول لمن يعاني أنت لست وحيداً.