Star News English

الجمهورية: لبنان: وقت ضائع.. المنطقة تتحرّك.. واشنطن تشيد بالجيش.. المصارف تعلّق الإضراب

 كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:

الوطن اللبناني بات قاب قوسين او أدنى من اللحظة المشؤومة، صار في مرحلة متقدّمة من التليّف السياسي، الذي لا تنفع معه أمصال او عقاقير او مضادات حيوية تبطئ من تطوره واستفحاله. والمفجع، انّ المتسببين بهذا الداء الخبيث، مصرّون على تقريب أجَله وانتزاع آخر رمق حياة فيه.

القلق بات سمة عامة في وطن يُحتضر ودولة لا دولة، والخوف بات نزيلاً دائماً في نفوس اللبنانيين، فيومياتهم باتت مخزناً للأزمات والأوجاع، وليس معلوماً ما يخبئه الغد. مع ذهنيات سياسية وإرادات ملوّثة بالإنكار والانفصال الكلي عن الواقع، أسقطت لبنان من كونه بلد أقليات متعايشة وتنوّع فريد، وما إلى ذلك من صفات وطنية كانت حميدة، إلى مجموعة جزر سياسية موبوءة ومتواجهة، ولّادة للمطبّات والتعقيدات والتوترات التي يستحيل معها الانتقال بهذا البلد من حال الاهتراء المستفحل إلى حال أفضل.

مسار الاهتراء لا كابح له، والإناء السياسي ينضح بلا كلل او ملل بما تكتنزه تلك الذهنيات من موبقات شيطانيّة تسرّع انحداره أكثر. اما المواطن اللبناني في هذه الجلجلة، فأضحى في غياب الراعي الصالح له منعدم الأمان، ولم يعد امامه سوى ان يُسيّر نفسه ذاتياً بلا غطاء يقيه من الصدمات التي تهوي على رأسه، اقتصادياً ومالياً ومعيشياً واجتماعياً.

عقارب .. ومنزلقات

عقارب السّاعة اللبنانيّة، كان يفترض لها أن تجد من يضبطها على لحظة انفراج تحرف اللبنانيين عن درب المعاناة وتخفف ولو قليلاً من أثقالها وأعبائها عليهم، لكنّ عقارب السياسة، باللامبالاة التي تقارب فيها الاستحقاقات الداخلية وأساسيات اللبنانيين، ضبطتها بصورة نهائية على حافة المنزلقات المتتالية وتراكم السقطات والأعباء على الناس.

في السياسة، يومان ويضمّ معطّلو الحياة في لبنان شهراً رابعاً إلى الوقت الضائع من عمر لبنان، والشهر الخامس، سينطلق من حيث ينتهي الرابع، مصطدماً بمطبّات محكمة، ومحكوماً لأجندات ومربوطاً بحبل تعقيدات وأنانيات تشدّ على خناق الملف الرئاسي، وتدفع بالفراغ في سدّة الرئاسة الاولى، وما يفترض ان يليها من انتظام حكومي يؤسس لانفراجات، إلى مديات زمنية طويلة لا حدود لها، مشرّعة على كل الاحتمالات.

لا انفراج

في هذه الاجواء، تؤكّد مصادر سياسية عاملة على خط التوافق الرئاسي لـ«الجمهورية»، أن «لا سبيل داخلياً لأي انفراج، وأي كلام عن إمكان صياغة تفاهم او توافق على رئيس للجمهورية، كان ولا يزال بلا قيمة له على الإطلاق. وكل المحاولات الداخلية، والجهود والمساعي التي أُبديت في هذا السبيل، كانت محكومة بالفشل المسبق، حيث لم يتأتَّ منها سوى التعب لا أكثر. ويجب ان نعترف انّ رافضي التوافق، نجحوا في جعل تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية امراً واقعاً تصعب فكفكته، ولذلك جمّدت تلك المحاولات، وتعطّلت نهائياً لغة الكلام الجدّية حول الملف الرئاسي، وأي اتصالات تجري هنا او هناك، لا تتسمّ بالجدّية، حيث لا تعدو اكثر من دردشات لا تقدّم ولا تؤخّر».

التعايش مع التعطيل

في السياق ذاته، نعى مصدر مسؤول أي فرصة اختراق ايجابي على الطريق الرئاسي، وقال لـ«الجمهورية»: «صار من الواجب الاعتراف بأنّ الأفق الرئاسي صار مسدوداً بالكامل وبصورة نهائية».

ورداً على سؤال عمّا إذا كان يعني بكلامه انّ الانتخابات الرئاسية قد طارت نهائياً، قال: «.. وهل ثمة ما يؤكّد عكس ذلك، اقول بصراحة انّ علينا الّا نغش أنفسنا بالرهان على اتفاق مستحيل، بل يجب ان نصارح اللبنانيين بحقيقة انّه لم تعد ثمة إمكانية داخلية على الإطلاق لحسم الملف الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق، ولذلك اقول آسفاً، انّ علينا ان نتعايش مع التعطيل، وإلى أجل غير مسمّى، يُخشى ان يكون بعيداً جداً».

وخلص إلى القول: «انا لا أغفل في كلامي انّ كل الاحتمالات ممكنة، وفي اي لحظة، ولكن في الوضع الذي نحن فيه، بدل ان يتكتل البعض حول مصلحة البلد، تكتلوا للتعطيل، ونجحوا في تخريب المسار الرئاسي ومنع انتخاب رئيس الجمهورية. البلد يدفع ثمن الوضع الشاذ الذي يعانيه على كل مستوياته وحتى على كل سلطاته. ما يعني انّ البلد يخسر، وكلما طال الأمر سيكون حجم المرارات اكبر، والخسارات اكثر، واما الخاسر الأكبر في هذا الوضع المعطّل فهم المسيحيّون، والموارنة منهم على وجه الخصوص، بانتفاء دور وحضور موقعهم الأول في الدولة».

وهل ثمة مبادرات يمكن ان تُطلق لتصويب المسار، قال المصدر المسؤول: «سبق للرئيس نبيه بري ان بادر ودعا إلى حوار للتوافق، على اعتبار انّه السبيل الوحيد لإنقاذ رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس، وكذلك جرّب وليد جنبلاط، وفشلت كل المحاولات، وانا مقتنع انّ التوافق بين الاطراف السياسيين في الداخل غير ممكن ابداً، هو ممكن فقط في حالة وحيدة، أي عندما تتغيّر النفسيّات، وأن تتغيّر النفسيات أمر من عاشر المستحيلات».

هل ثمة ايجابيات؟

وإذا كان الملف الرئاسي قد استعصى داخلياً، ويبدو وكأنّه يقرّب المشهد اللبناني إلى تصعيد كبير، الّا انّ مصادر ديبلوماسية من باريس اكّدت لـ«الجمهورية»، رداً على سؤال عمّا يتردّد عن مخاوف جدّية على الوضع في لبنان، «بالتأكيد انّ وضع لبنان ليس سليماً، ويزداد صعوبة جراء عدم انتظام مؤسساته، والانهيارات المتتالية في اقتصاده، ومن هنا جاء اجتماع باريس ليحدّد للبنانيين المسار الذي ينبغي سلوكه لتجاوز هذه الأزمة، وهو بالتالي أسس لخطوات تالية ولاحقة. فأصدقاء لبنان وفرنسا، ملتزمون بحماية الإستقرار في لبنان، واكّدوا حرصهم على مساعدة اللبنانيين في توفير فرص الانتعاش له، ما يعني انّ الملف اللبناني ما زال مفتوحاً خارجياً على المتابعة الحثيثة، وخلق إيجابيات يتأسس عليها انفراج في الملف الرئاسي، بمساعدة مختلف القوى السياسية في لبنان».

الحراك الإقليمي

وعلى خطٍ موازٍ، أعربت مصادر سياسية واسعة الاطلاع، عن تفاؤل حذر من الحراك الجاري على مستوى المنطقة، وقالت لـ»الجمهورية»: «انّ الحراك المتسارع على اكثر من خط في المنطقة، تُشتّم منه نوايا جدّية لإخماد بعض الحرائق التي اشتعلت على مدى سنوات طويلة، بدءاً بملف حرب اليمن والهدنة التي بدأ سريانها، وإعلان السعودية عن وديعة بمليار دولار، إلى الملف السوري، والانفتاح العربي غير المسبوق في سنوات الأزمة، وليونة اوروبية وغربية تجاه دمشق، وزراء عرب بدأوا بالتوجّه نحو سوريا، والرئيس بشار الاسد فجأة في عُمان، وبعده وزير الخارجية الايرانية امير عبداللهيان، والملف النووي الايراني يقارب بجدّية ووتيرة متسارعة في الغرف المغلقة.. كل ذلك يبدو وكأنّه يسير بمسار ايجابي، ليس على الدول المعنية به، بل على كل دول المنطقة، ولبنان جزء من هذه المنطقة، حيث لا بد ان تلفحه الايجابيات».

جعجع للصمود

وسط هذه الأجواء، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مجلس حزبي: «انّ التحدّي الأساس في هذه المرحلة يكمن في عبور الصحراء السياسية التي دخلها لبنان في ظلّ شغور رئاسي وانهيار مالي وانقسام سياسي وغضب شعبي، ومن يعبر هذه الصحراء ويبقى على قيد الحياة سياسياً، يكون المنتصر القادر على إعادة هندسة أمور البلاد طبقاً للدستور القائم والمرجعيات التي يُجمع عليها أهل البلد».

وشدّد جعجع على حتمية الصمود في الأرض والخيارات والمبادئ والقناعات، ولا خيار آخر غير الصمود الذي من خلاله نستطيع تجاوز صعوبات الحياة اليومية قبل السياسية، وتجارب التاريخ لا تُعدّ ولا تُحصى، حيث زالت حضارات وجماعات وشعوب عن الوجود بسبب عجزها عن الصمود واضطرارها إما إلى الرحيل او الاستسلام والذوبان».

تعليق إضراب المصارف

في الجانب الحكومي، يُنتظر ان يوجّه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مطلع الاسبوع المقبل، الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء في السرايا الحكومية، وفي جدول اعمالها درس وإقرار مجموعة من البنود المرتبطة بمداخيل موظفي القطاع العام وتأمين مبالغ لهيئة اوجيرو، اضافة إلى مناقشة صيغة للتمديد لمدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

واللافت في السياق الحكومي، كان اعلان المصارف عن تعليق إضرابها لمدة اسبوع، وذلك على إثر اجتماع بين ميقاتي ووفد جمعية المصارف، حيث اعلن محامي الجمعية اكرم عازوري، «انّه بناءً لتمني دولة رئيس الحكومة، وتحسساً بالأوضاع الاقتصادية الصعبة جداً، ولخدمة تأمين مصالح الموظفين، قرّر مجلس ادارة الجمعية التعليق المؤقت لإجراءات الاضراب لمدة اسبوع، على ان تُدعى الجمعية العمومية للمصارف في آخر الاسبوع، على ضوء ما يتحقق عملياً من اجراءات على الارض لتصحيح الخلل في المرفق العام القضائي الذي كان السبب الاساسي للإضراب».

وحول مطلب المصارف، قال: «نحن نخضع للقانون. وقد ابلغنا السلطات القضائية والسياسية انّ هناك خللاً بحسن سير المرفق العام القضائي تعاني منه المصارف منذ اكثر من سنة. على السلطة بشقيها القضائي والسياسي أن تأخذ الاجراءات لتصحيح الخلل».

ورداً على قول مجلس القضاء الأعلى انّ رئيس الحكومة يتدخّل في عمل القضاء قال: «يجب ان تُقرأ الفقرة الاخيرة من بيان مجلس القضاء الذي اعترف بحصول خلل، والرئيس ميقاتي قال انّ هناك خللًا في عدم تطبيق المادة 751، ولم يتوجّه إلى القضاء بل إلى الضابطة العدلية التابعة للسلطة التنفيذية. كتاب الرئيس ميقاتي غير كافٍ لأن لا علاقة له بالسلطة القضائية، وتوجّه إلى اقصى الحدود بما تسمح بها صلاحياته، ومن الآن وصاعداً السلطة القضائية عليها أخذ كل الإجراءات لتصحيح الخلل الموثق، والذي تمّ إبلاغه الى كل من معالي وزير العدل والتفتيش القضائي ومدّعي عام التمييز والرئيس الاول لمحكمة التمييز».

ورداً على سؤال عن مناشدة القاضية غادة عون البرلمان الاوروبي المساعدة في وقف التدخّل بعمل القضاء أجاب: «يمكنها ان تناشد من تشاء، وفي هذه الحالة جمعية المصارف قد تضطر إلى مناشدة البرلمان ذاته مساعدتها على تبليغ القاضية عون بالمراجعات التي ترفض تبلّغها».

ورداً على سؤال قال عازوري: «تعليق الإضراب بهدف تمكين القطاع العام والجميع من حلحلة امورهم، في انتظار ان تتحمّل السلطة القضائية مسؤولياتها وتصحّح الخلل الذي أقرّ به بيان مجلس القضاء الأعلى بفقرته الاخيرة بالأمس».

الهيئات الاقتصادية ترحّب

إلى ذلك، عبّرت الهيئات الاقتصادية في بيان عن ارتياحها الكبير لـ«نتائج التواصل والحوار بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وجمعية المصارف، والذي أفضى إلى إتخاذ المصارف قراراً بتعليق إضرابها لفترة أسبوع».

واعتبرت انّ من شأن هذا القرار «تخفيف الاحتقان في السوق، وتسهيل أمور موظفي القطاعين العام والخاص في الحصول على رواتبهم نهاية الشهر وتسيير أمورهم المعيشية والحياتية»، واشادت بالرئيس ميقاتي وجرأته في اتخاذ القرارات المفصلية، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة، حماية للمصالح الوطنية العليا ومنعاً لانزلاق البلد نحو المجهول».

وفد اميركي

من جهة ثانية، إستقبل قائد الجيش العماد جوزف عون وفداً من مساعدي أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، في حضور السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، وجرى عرض أوضاع المؤسسة العسكرية والتحدّيات التي تواجهها في ظلّ الأزمة الراهنة، والاطلاع على سبل استمرار دعمها.

وأثنى أعضاء الوفد على «احتراف الجيش وحُسن استخدامه للمساعدات الأميركية بما يعزز جهوزيته العملانية وتماسكه وقدرته على حفظ أمن لبنان واستقراره رغم الظروف الصعبة»، مؤكّدين «ضرورة متابعة التعاون معه واستمرار تقديم المساعدات لتجاوز المرحلة الحالية».

وأكّد العماد عون أنّ «للدعم الأميركي دوراً أساسياً في تمكين الجيش من مواصلة تنفيذ مهماته، وتخفيف صعوبات الأزمة عن العسكريين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى