إقتصاد

منصوري في منتدى إتحاد المصارف العربية عن “تداعيات الإقتصاد النقدي على القطاع المصرفي”: نعمل جاهدين لمنع إدراج لبنان على القائمة الرمادية

فتوح: من مخاطر احتمال إدراج لبنان على اللائحة الرمادية توقف المصارف المراسلة عن التعامل مع القطاع المصرفي والمالي اللبناني

 افتتح حاكم مصرف لبنان بالانابة رئيس هيئة التحقيق الخاصة في لبنان الدكتور وسيم منصوري “الملتقى السنوي لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب: تداعيات الاقتصاد النقدي على النظام المصرفي”، قبل ظهر اليوم في فندق فينيسيا في بيروت، في حضور عدد من الوزراء والنواب والسفراء والقناصل والشخصيات المصرفية اللبنانية والعربية والدولية.

فتوح
استهل الملتقى بالنشيدين الوطني اللبناني واتحاد المصارف العربية، القى بعده الامين العام لاتحاد المصارف العربية الدكتور وسام فتوح كلمة قال فيها: “يعقد إتحاد المصارف العربية هذا الملتقى وسط الظروف والاوضاع التي يعيشها لبنان، وهو الفعالية الرابعة منذ اندلاع الازمة التي ما زلنا نعاني منها حتى يومنا هذا.  وقد سعى الاتحاد في المؤتمرات الثلاثة السابقة، وفي هذا المنتدى كذلك، الى إيجاد منصات عالية المستوى لمناقشة التحديات التي يعيشها لبنان بشكل علمي ومنطقي، والى حشد الخبرات العربية واللبنانية للسعي الى طرح حلول علمية ومنطقية وقابلة للتطبيق بهدف الخروج من الازمة، ومنها الخطة الاصلاحية الاقتصادية والنقدية والمصرفية التي طرحها الاتحاد منذ ثلاث سنوات. أما في ما يتعلق بهذا الملتقى، فإننا أصرينا على عقده في موعده، رغم الاوضاع الامنية الخطيرة في جنوب لبنان والتي امتدت الى بعض المناطق الاخرى، وذلك لإدراكنا بأن الخطر الذي يواجه لبنان بالنسبة لاحتمالية ادراجه على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (“فاتف”)، قد يكون له تداعيات لا تقلّ خطورة عن الاضطرابات الأمنية التي يشهدها لبنان اليوم”.

 واضاف: “أصبح من المعلوم أنّ مصرف لبنان ممثلاً بحاكمه الدكتور وسيم منصوري قام بجهود كبيرة من إجراءات وإتصالات دولية ولقاءات لشرح موقف لبنان من خلال ما يقوم به مصرف لبنان من مبادرات وتدابير إحترازية تهدف إلى تحصين القطاع المصرفي، ومكافحة ظاهرة الاقتصاد النقدي ومخاطرها، وهو موضوع ملتقانا اليوم. ولا يخفى على أحد أنّ إدراج لبنان على اللائحة الرمادية – لا قدّر الله –   له تداعيات وعواقب خطيرة، وربما أهمها إحتمالية توقف المصارف المراسلة عن التعامل مع النظام المالي اللبناني، وبالتالي توقف عمليات تمويل التجارة الدولية، وكذلك التحويلات المالية والتي أكثر ما يكون لبنان في حاجة إليها اليوم، عدا عن الضرر الكبير بسمعة لبنان”.

منصور
ثم القى امين عام هيئة التحقيق الخاصة وحدة الاخبار المالي اللبنانية عبد الحفيظ منصور كلمة استهلها بتقدم “جزيل الشكر والتقدير لاتحاد المصارف العربية لتنظيمه هذا المنتدى، بل لإصراره على إقامة المنتدى في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها لبنان، وبالتقدير على جهود الإتحاد الدائمة والمستمرة في إقامة المؤتمرات والتي لم تتوقف خلال السنوات الأخيرة التي شهد لبنان خلالها استمرار وتراكم الأزمات. كذلك الشكر موصول إلى كافة المتحدثين  والمشاركين في هذا المنتدى والحاضرين له”.

وقال: “ينعقد هذا المنتدى تحت عنوان الإقتصاد النقدي، وهو ذلك الجزء من الإقتصاد الذي تجري فيه التعاملات المالية وعمليات الدفع  نقدا بدلا من اعتماد الشيكات، الحوالات أو البطاقات المصرفية. ولهذا النموذج بعض المزايا مثل السرية والكلفة المنخفضة، حيث لا رسوم أو عمولات، ولا توجد الحاجة لإجراء المعاملات المالية الى مصرف أو مؤسسة مالية، وبالتالي فإن هامش الحرية واسع في هذا النمط من التعاملات”.

اضاف: “في المقابل، فإن  لهذا النمط مزايا سلبية عديدة، مثل مخاطر تخزين الأموال النقدية، والصعوبة في إجراء العمليات والتحويلات المالية الكبيرة، ومخاطر تزوير العملة، وصعوبة إيصال المدفوعات عبر الحدود، بالإضافة لكل ذلك عدم إمكانية تتبع المال من يد  إلى أخرى، وهذه مشكلة مستجدة في وقتنا الحاضر، نظرا  لزيادة مخاطر تبييض الأموال غير المشروعة من خلال التعاملات النقدية”.

وتابع: “في هذه النقطة أود الإشارة إلى أن التعاملات النقدية وإلى وقت قريب كانت شائعة في العديد من الدول في العالم وحتى الدول المتقدمة. ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلا  بالإمكان إجراء البيوعات العقارية والدفع نقدا  إن قبل المشتري قبض المبلغ  نقدا، وفي العام 2021   بدأ العمل على موجب الإبلاغ عن العمليات العقارية للسكن  والتي تجري خارج المؤسسات المصرفية، وبالتالي لا تخضع لإجراءات العناية الواجبة والتدقيق ( إن تجاوزت  مبلغ 300,000 دولار ). كما هناك قرار مشترك صادر عن مديرية الواردات ووحدة الإخبار المالي الأميركية عن موجب الإبلاغ عن المبالغ المقبوضة  والتي تفوق مبلغ الــ 10,000 دولار أميركي.  وفي أوروبا، كان بالإمكان شراء السلع ذات القيمة العالية من مجوهرات وتحف ويخوت والدفع نقدا  إلى أن صدر في شهر حزيران من هذا العام 2024  تعديلا  تشريعيا  يحد من إمكانية إجراء هذه العمليات نقدا  إن فاقت قيمتها 10,000 يورو”.

واشار الى انه “في الدول العربية، ما زال استعمال النقد شائعا،  ونسبة الإقتصاد النقدي في بعضها تقارب أو تتجاوز النسبة الحالية في لبنان، وعليه فإن  لبنان لا ينفرد في كون حوالي نصف اقتصاده يعتبر نقديا، إلا  أن  الوضع العام يلقي بثقله على كافة جوانب الحياة  بما فيها تضخيم الإضاءة على أن  حوالي نصف الإقتصاد اللبناني هو اقتصاد نقدي”.

وقال: “عندما نتناول موضوع الإقتصاد النقدي يحضرنا أيضا  مبدأ الشمول المالي، وهي حالة نقيضة لحالة الإقتصاد النقدي، حيث يعرف الشمول المالي في أي إقتصاد بنسبة الوصول وإستعمال الخدمات المالية من خلال النظام المالي الرسمي المحلي، ومن خلاله النظام المالي العالمي”، مشيرا الى انه “قبل الأزمة المصرفية التي وقعت في العام  2019، كان لبنان في طليعة دول المنطقة بالنسبة لمسألة الشمول المالي، وبالتالي كانت نسبة الإقتصاد النقدي أقل بكثير عما هي الآن، وعليه فإن الزيادة في نسبة الأقتصاد النقدي هي ظاهرة مستجدة وطارئة ونقيضة لما كان عليه الحال لعقود خلت في لبنان، والسبب معلوم من الجميع، حيث أن الأزمة المصرفية التي بدأت في العام 2019   أفقدت الثقة بالقطاع المصرفي ودفعت الأفراد إلى الاحتفاظ بالمدخرات والأموال في خزائنهم نقدا، وتقدر قيمة الأموال المحتفظة في الخزائن الخاصة والشخصية حاليا بحوالي  5-6 مليار دولار، ويقدر مجمل حجم الإقتصاد النقدي وفقا لبعض الدراسات بحوالى 11- 14 مليار دولار أميركي، أي ما يقارب نصف حجم الإقتصاد حاليا”.

وتابع: “إلا  أنه ومع إستمرار الأزمة المصرفية، ونظرا  للحاجة، عمد اللبنانيون إلى التعايش مع القطاع المصرفي، والتعامل معه وإن كان بالحد الأدنى لذلك، إذ ان  الأفراد كما المؤسسات مضطرة إلى اللجوء للمصارف لإجراء العمليات المالية والتحويلات عبر الحدود، حيث أن القطاع المصرفي ما زال  قادرا على توفير هذه الخدمة لعملائه ولا توجد بدائل عملية لذلك. فمع وجود حاجة لاستيراد الكثير من السلع والمواد الغذائية وبعض الخدمات من الخارج، والتي بلغت في العام 2023 حوالي  17,5 مليار دولار أميركي، كان لا بد من اللجوء للمصارف التي ما زالت محتفظة بعلاقتها مع المصارف المراسلة، لتسديد قيمة  هذه المستوردات من خلال القنوات المصرفية”.

اضاف: “من جهة أخرى، احتاج الأفراد للمصارف لإجراء الحوالات الشخصية لغايات التحويلات الدراسية والخدماتية، والحصول  على البطاقات المصرفية للاستعمالات المختلفة لا سيما عند السفر للخارج أو لشراء السلع الخاصة والخدمات عبر الإنترنت. ومع متابعة السلطات النقدية للوضع المصرفي بعد وقوع الأزمة، واستمرارها  دون معالجات حكومية وتشريعية جدية، ومع تصاعد الأزمة بسبب الوضع السياسي العام، بادر مصرف لبنان الى اتخاذ إجراءات وإصدار تعاميم مصرفية لتيسير حاجات المؤسسات والأفراد من جهة وللحد من تنامي الإقتصاد النقدي من جهة أخرى  لما قد يجره هذا التنامي من تداعيات سلبية. وكانت البداية في إصدار التعميم رقم 150 في العام 2020 الذي سمح بفتح الحسابات الجديدة لأيداع “الــ Fresh Funds” بالعملات الأجنبية وبخاصة بالدولار الأميركي، وقد وضع هذا التعميم إعفاءات وشروطا  ملزمة على المصارف لآلية فتح وإدارة  وتوظيف هذه الودائع الجديدة، وألزم مفوضي المراقبة التحقق دوريا من تقيد المصارف  بأحكام هذا التعميم.”

وتابع: “وفي العام  2021 ، أصدر مصرف لبنان التعميم الوسيط رقم  598 الذي ألزم المصارف بإضافة الوضعية الشهرية لفروع لبنان الخاصة بالأموال الجديدة التي حولت من الخارج أو تم تلقيها نقدا، وكل ذلك بهدف مراقبة هذه الحسابات حماية   للمودعين وإعادة تنشيط التعاملات المصرفية. ونظرا  لحاجات المؤسسات والأفراد الشخصية السابق ذكرها، عاود اللبنانيون فتح الحسابات لدى المصارف وإيداع “الأموال الجديدة”، وبدأت القيمة الإجمالية لهذه الحسابات الجديدة تتزايد وتتراكم ووصلت قيمتها الإجمالية  في العام 2024  إلى حوالى 3600 مليار دولار، وبزيادة قدرها حوالى مليار دولار عما كانت عليه في السنة السابقة.

وفي العام 2023 صدر التعميم رقم 165 المتعلق بمقاصة وتسوية الشيكات والتحاويل النقدية بالدولار الـــ “فريش”             والليرة البنانية عبر مصرف لبنان، وإثر ذلك بدأ استعمال التحاويل والشيكات الفريش بالإرتفاع نظرا  لزيادة الثقة بها كوسيلة دفع أساسية وآمنة وعملية في آن، فقد أظهرت الأرقام لدى مصرف لبنان زيادة شهرية بمعدل 10 % في هذه العمليات إعتبارا  من شهر آب 2023 تاريخ إصدار التعميم رقم 165 ،  وقد بلغ مجموع التحاويل والشيكات الفريش منذ بداية تطبيق التعميم رقم  165   لمنتصف العام 2024 حوالي 5,6 مليار دولار. وما زال مصرف لبنان ماضيا  في العمل على عدد من المحفزات لزيادة التعاملات المصرفية لتخفيف نسبة الإقتصاد النقدي، ومنها استعمال بطاقات الدفع وذلك بالتنسيق مع المعنيين لا سيما (VISA) وفيزا (MasterCard) شركتي ماستركارد والمصارف والمؤسسات المالية المعنية بإدارة وإصدار البطاقات، ومن بين هذه الإجراءات العمل على تخفيض كلفة استعمال بطاقات الدفع محليا  بخاصة  البطاقات الصادرة خارج لبنان والمستعملة في السوق اللبناني، ويأمل مصرف لبنان أن يبدأ ظهور نتائج هذه المبادرات قريبا”.

وقال: “إضافة  الى ذلك، يعمل مصرف لبنان حاليا  بالتعاون والتنسيق مع وزارة المالية على مشروع اعتماد بطاقات الدفع كوسيلة لتسديد الضرائب والرسوم  لدى جميع صناديق وزارة المالية الأساسية المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة وذلك بعد تركيب نقاط بيع (POS Machines)  لدى هذه المراكز .

وفي العام 2023 عدل مصرف لبنان التعميم رقم 69  المتعلق بالمدفوعات الإلكترونية، وأعطى مصرف لبنان تراخيص لعدد من المحافظ الإلكترونية (Mobile Wallets)  التي تسمح لمستخدميها بتحويل الأموال في ما بينهم تجارا  وأفرادا ، بشكل فوري وآمن”.

واكد “ان الإجراءات المذكورة سابقا  ليست بديلة لخطة إعادة هيكلة المصارف ومعالجة الدين العام والتشريعات اللازمة لاسيما قانون الكابيتال كونترول إلا أنها عالجت بعض الثغرات وبدأت بتخفيف التعامل النقدي في السوق اللبناني بشكل جيد وتدريجي، ونأمل أن نراها تتكامل مع خطوات مستقبلية للمعالجات الجذرية التي طال انتظارها”.

وقال: “في الخلاصة، إن الإقتصاد النقدي حالة غير مرغوب بها في المنظومة المالية العالمية، ولذلك فهو موضوع ملاحظات وتنبيهات من مؤسسات التمويل الدولية، والبنوك المراسلة وخاصة من مجموعة العمل المالي FATF التي أفردت له حيزا في تقرير التقييم الصادر لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وبها يعمل ويقال، فالحل الجذري والوحيد للمعالجة يبقى في إعادة القطاع المصرفي اللبناني للعمل والإنتظام وبخلاف ذلك لا حل لهذه الحالة”.

وتابع: “وحيث أننا تطرقنا لموضوع مكافحة تبييض الأموال، أود  الإشارة إلى عملية تقييم التزام لبنان بالمعايير الدولية لمكافحة  تبييض الأموال وتمويل الإرهاب التي بدأت في العام  2021  وتدرجت في مراحلها المرسومة وفق المنهجية المعتمدة دوليا  والتي خلصت في 21 كانون الأول 2023 الى نشر مجموعة العمل  المالي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا (مينافاتف )  تقرير التقييم المتبادل للجمهورية اللبنانية حول تدابير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.

ولفت الى “ان التقييم الذي خضع له لبنان بالإستناد للمنهجية المعتمدة من قبل “فاتف” لتقييم جميع البلدان تم  في ظل الظروف الصعبة والإستثنائية المعروفة والتي ما زالت سائدة لتاريخه. وفي جميع الأحوال وكما هو الحال في كافة البلدان، هناك حاجة لمقاربة حكومية شاملة لتنفيذ الإجراءات التصحيحية المطلوبة من الجهات الداخلية المعنية، وقد قامت هيئة التحقيق الخاصة بصفتها المنسق الوطني لعملية التقييم بإطلاع مقامي رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء  في حينه على كل نتائج التقرير للتواصل مع الجهات الداخلية المعنية بشأن الإجراءات التصحيحية المطلوبة بغية تعزيز فعالية منظومة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب اللبنانية، وبموجب  المنهجية على لبنان إرسال تقارير متابعة بالتقدم الحاصل في تنفيذها  خلال العام 2024 إلى الفاتف للنقاش واتخاذ القرار المناسب بشأن التقدم المحرز، وسوف يصدر عن هيئة التحقيق الخاصة بيانات عن الموضوع في حينه عند تقدم العملية في مراحلها اللاحقة”.  

وختم متمنيا “لأعمال هذا المنتدى النجاح والتوفيق، على أمل ان نلتقي مجددا  في وقت قريب، وبظروف سياسية وإجتماعية وإقتصادية أفضل للجميع”.

طربيه
من جهته، قال رئيس مجلس ادارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية الدكتور جوزيف طربيه: “يسعدني أنّ أرحّب بكم جميعاً في ھذا الملتقى الذي يعقده اتحاد المصارف العربية، بالتعاون مع الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وھيئة التحقيق الخاصة – وحدة الإخبار المالية اللبنانية، برعاية مشكورة ومقدرة من حاكم مصرف لبنان بالإنابة  الدكتور وسيم منصوري. ويسعدنا أن نلتقي بكم في مدينة بيروت، وبخاصة الإخوة العرب، الذين شاركونا اليوم رغم الظروف الصعبة، سواء كخبراء ومتحدثين في جلسات المنتدى، أو كحضور لفعالياته”. 
 
اضاف: “يتناول ملتقانا ھذا واحد من أھم مواضيع الساعة، الا وھو تداعيات توسع الاقتصاد النقدي والاعتماد المتزايد على المعاملات النقدية على جھود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرھاب، فيما يشكل ھذا الامر تحدياً ملموساً ومشھوداً في لبنان، فإنّ مخاطره تلوح في دول عربية أخرى، وتحديداً تلك التي تشھد نزاعات وحروب”، مؤكدا انه “ورغم اندلاعھا منذ نحو خمس سنوات، لا يزال لبنان يشھد أزمة اقتصادية ومالية ونقدية ومصرفية حادة، ومتعددة الأوجه، أدت إلى  تحوّل كبير في مشھد لبنان المالي، حيث أضعفت الازمة بشكل كبير القطاع المصرفي وأدت إلى تراجع دور المصارف اللبنانية، بحيث اضطرت جميعھا ومن دون استثناء الى تقليص حجمھا وإغلاق عدد كبير من فروعھا والتوقف عن الإقراض. وأدى ذلك إلى فراغ كبير ملأته القنوات المالية غير الرسمية، أو الرسمية التابعة لما يسُمى بصيرفة الظل، وصولاً الى المعاملات النقدية، والتي قد تكون  عُرضة لسوء الاستخدام من قبل العناصر الإجرامية،  وان لبنان يخشى نتيجة ذلك، بالرغم من الجھود المبذولة من حاكمية البنك المركزي مع المرجعيات الدولية ذات الصلة، من تصنيفه سلبياً من منظمة “فاتف” من خلال ادراجه على اللائحة الرمادية لھذه المنظمة.” 
 
واشار الى ان “هذا الخطر يتعاظم كلما تعاظم حجم الاقتصاد النقدي في لبنان”، وقال: “وبالفعل، وبحسب البنك الدولي، فقد زاد حجم الاقتصاد النقدي بعد الأزمة ليصل إلى 4.5 مليار دولار عام 2020، وھو ما شكل نسبة 14.2% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم الى نحو 6.1 مليار دولار عام 2021 (مشكلاً نسبة 26.2% من حجم الناتج المحلي الاجمالي، فإلى نحو 9.9 مليار دولار عام 2022 (بنسبة 45.7% من حجم الناتج المحلي الاجمالي). وعلى الرغم من عدم توفر بيانات حديثة، فإن ھذا المنحى مستمر” . 
 
اضاف: “وما من شك أن إبقاء الازمة النظامية المستمرة منذ خمس سنوات دون حلول، والاجراءات التي اتخذتھا المصارف اللبنانية للتكيف مع ھذه الازمة، قد دفع شريحة كبيرة من اللبنانيين والمقيمين إلى تفضيل المعاملات النقدية على الطرق المصرفية التقليدية. وبينما يمكن فھم ھذا التحول في ظل الظروف الحالية، إلا أنه  يكشف بلدنا أمام مخاطر متزايدة من الجرائم المالية، وبخاصة غسل الأموال وتمويل الإرھاب.” 
 
وقال طربيه: “كما تعلمون جميعاً، يخلق التوسع الكبير في المعاملات النقدية أرضاً خصبة لغسل الأموال وتمويل الإرھاب. فالنقد بطبيعته يصعب تتبعه، ما يجعله وسيلة جذابة لأولئك الذين يسعون لإخفاء أنشطتھم غير المشروعة. وفي بلد يتوسع فيه الاقتصاد غير الرسمي بسرعة، يصبح الإشراف التنظيمي اللازم لمراقبة التدفقات، والتحويلات، والمعاملات المالية تحدياً كبيرا . وعليه،  فإن زيادة الاعتماد على الاقتصاد النقدي في لبنان – كما في غيره من الدول – قد يتسبب في مروحة واسعة من المخاطر التي تؤثر على الاقتصاد والأمن الوطني، وحتى على الأمن الاجتماعي، ومنھا على سبيل المثال لا الحصر: غسل الأموال، تمويل الإرھاب، التھرب الضريبي، الفساد، التضخم، فقدان السيطرة النقدية وصعوبة تنفيذ السياسات النقدية، انعدام الشمول المالي، تدھور العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية، ضعف النظام المالي الرسمي، وارتفاع معدلات الجريمة، لذلك فإن بطُء العمل على انجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية الضرورية يفرض عبئاً باھظاً على اقتصاد لبنان وسكانه. وبالاضافة الى ذلك، فقد أدت التداعيات السلبية للصراع في غزة، والحرب الجارية على الحدود الجنوبية، والضغوط الناجمة عن أزمة اللاجئين إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي أصلاً.  وتبرز عند كل مفترق حجم الاضرار التي يسببھا سوء التعاطي مع الازمة النظامية التي ضربت لبنان، ومحاولة تحميل مسؤوليتھا للمصارف منفردة، بينما الواقع يشير الى ان الازمة ھي نتيجة سياسات متمادية في الزمن مارستھا الدولة في الاقتصاد والنقد والادارة العامة والانفاق والضرائب، وقد وصفھا البنك الدولي بأنھا واحدة من أكبر عشر انھيارات في العالم، وربما من أكبر ثلاثة انھيارات منذ القرن التاسع عشر”.
 
وتابع: “وبينما تم إحراز تقدم في خفض التضخم واستقرار سعر الصرف من قبل مصرف لبنان، لا نضيف جديداً في التنويه بالاجراءات التي تم تحقيقھا حتى الان على ھذا الصعيد، وصمود الحاكم بموقفه بعدم تمويل عجز الموازنة والتوقف عن طبع العملة، الا أن ھذه الإجراءات غير كافية للتعافي. وتحديداً، إن غياب اي خطة حكومية للتعافي تتضمن استراتيجية نھوض للقطاع المصرفي، موثوقة وقابلة للاستمرار، لا يزال يعيق النمو الاقتصادي واسترداد الودائع، وان اي برنامج على ھذا الصعيد ينبغي أن يكون ملائماً سياسياً وقانونياً واقتصادياً واجتماعياً حتى يكتب له النجاح، وھذا ما جعل الانطلاقة السابقة لكل مشاريع اعادة الھيكلة تسقط لعدم تمتعھا بھذه المواصفات”. 
 
واعلن “إن لبنان بحاجة الى ايجاد حل للأزمة المصرفية والاقتصادية بما يعيد للمصارف دورھا في إدارة الاقتصاد الوطني وتنميته، وفي تفعيل آلياتھا في مكافحة مخاطر غسل الاموال وتمويل الارھاب بما يحفظ مستقبل لبنان المالي وبقائه في السوق المالي الدولي.  كما يمكن لحلّ  الأزمة المصرفية أن يعيد ثقة المواطنين بالقطاع المصرفي، ما يشجع على استخدام القنوات المالية الرسمية بدلاً من المعاملات النقدية. ويمكن للثقة المتجددة في النظام المالي أن تؤدي إلى زيادة الشفافية وتقليل فرص غسل الأموال وتمويل الإرھاب. كما سوف يساھم اعادة احياء دور القطاع المصرفي في توسيع الشمول المالي والوصول إلى الخدمات المالية للأفراد والشركات، ما يقلل من الاعتماد على النقد”. 
 
وأشار الى “ان مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرھاب ھي قضية عالمية تتطلب تعاوناً دولياً. وان اتحاد المصارف العربية، يسعى منذ سنوات عديدة لتحقيق تعاون دولي فاعل في مجال كشف ومكافحة وضبط حالات غسل الاموال وتمويل الارھاب، والجماعات المتطرفة، لأن ھذه الجرائم اصبحت ذات صبغة دولية عابرة للمجتمعات والدول، ورَعينا لھذه الغاية، ندوات الحوار بين البنوك العربية، والبنوك الاوروبية، وعقدنا عدة مؤتمرات في مجلس الاحتياطي الفدرالي، والخزانة الاميركية، وفي مقر منظمة التعاون والتنمية في باريس (OECD) سعياً لتطوير تحالفات استراتيجية في اطار مكافحة غسل الاموال وتمويل الارھاب، انطلاقاً من ايماننا بالعلاقة المباشرة بين والوكالات الحكومية والمحلية، والاجھزة الامنية والاجھزة القضائية والبنوك، وعلى ھذا النحو طوّر الاتحاد علاقات وثيقة بين المصارف العربية والمصارف المراسلة في الولايات المتحدة الاميركية ضمن الاھداف المشتركة لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارھاب وقوانين “اعرف عميلك” مع الالتزام بالنظم والقوانين المتعلقة بمكافحة العمليات غير المشروعة.” 
 

وقال: “إن التحديات التي تواجه  لبنان في ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرھاب كبيرة – وخاصة تلك الناجمة عن انتشار الاقتصاد النقدي – ولكنھا ليست عصية على مواجھتھا، حيث تتطلب مواجھة ھذه التحديات نھجا ً متعدد الأوجه  يشمل تعزيز الأطر التنظيمية وتقوية القدرة على الرقابة والتنفيذ، واعادة الثقة بالنظام المالي، وتعزيز الشمول المالي، وتعزيز التعاون الدولي، ورفع مستوى التوعية العامة. كما سوف يوفر حل الأزمة المصرفية والاقتصادية في لبنان بيئة أكثر استقرارا ً وشفافية وفعالية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرھاب” . 
 
ورأى انه “من خلال العمل معاً، يمكننا حماية نظامنا المالي، والحفاظ على أمننا الوطني، وضمان مستقبل مستقر ومزدھر للبنان. لذلك، دعونا نعمل معا ً لضمان أن يخرج لبنان من ھذه الأزمة أقوى، مع الاشارة الى ان تحقيق التعافي السياسي يساعد في انجاح التعافي الاقتصادي والنقدي. “. وجددّ شكره وتقديره للجميع، متمنيا لھذا الملتقى “أن يحُققّ بجھودكم الأھداف المرجوة منه”. 
 

منصوري
ثم كانت كلمة راعي الملتقى حاكم مصرف لبنان بالانابة الدكتور وسيم منصوري قال فيها : “بدايةً، أود أن أعبرّ عن تقديري العميق لجهود ومثابرة اتحاد المصارف العربية، ممثلة بشخص الأمين العام الأستاذ وسام فتوح ،على تنظيم هذا الملتقى الهام في بيروت، رغم الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي نواجهها حاليا في لبنان والمنطقة، وفي خضم التوترات الأمنية والجيوسياسية غيرالمسبوقة”، مشيرا الى “ان استمرار انعقاد هذا الملتقى في بيروت يعكس التزام الاتحاد الراسخ بدعم القطاع المصرفي في لبنان وتعزيز التعاون بين المصارف العربية في مواجهة القضايا المصيرية التي تمس أمننا الاقتصادي، وعلى رأسها مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.” 

وتابع: “يشكل موضوع مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب أولوية بالنسبة للبنان الذي قطع شوطاً طويلا في هذا المجال. والجدير ذكره، أن لبنان تخطى صعوبات جمة، لعل أهمها إدراجه في العام 2000 من قبل مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الأموال على قائمة الدول غير المتعاونة، وذلك بسبب وجود قانون السرية المصرفية الذي يعيق عمل التحقيقات الدولية وعدم وجود، آنذاك، قانون مستقل لمكافحة تبييض الاموال. وقد دأب لبنان منذ ذلك الوقت على اتخاذ جميع الإجراءات اللزمة، ابتداءً من إقرار قانون لمكافحة تبييض الأموال يستند الى توصيات مجموعة العمل المالي، مرورا ً بوضع إطار تنظيمي متكامل، وإنشاء هيئة تحقيق خاصة تعنى بمكافحة تبييض الأموال، وصولا ً إلى التعاون والتنسيق لتحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوارعلى مختلف الأجهزة الأمنية والقضائية المعنية، كلّ  بحسب صلاحياته”. 
 

ولفت الى انه “في العام 2002 تم حذف اسم لبنان من قائمة الدول غير المتعاونة، ليبدأ بحصد التنويهات في المحافل الدولية…  
وفي العام 2015، أقر مجلس النواب اللبناني عدداً من القوانين، منها قانون الإنضمام الى اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، وتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وقانون التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، وقانون تبادل المعلومات الضريبية، الأمر الذي كان له وقع إيجابي لدى المنظمات الدولية في ما يتعلقّ بسمعة لبنان وقطاعه المالي والمصرفي، لا سيما وضعية امتثاله بالمعايير الدولية. كذلك صدر قانون مكافحة الفساد في القطاع العام في العام 2020، وأنُشئت بموجبه الهيئة الوطنيةّ لمكافحة الفساد رسمياً. وأقر مجلس النواب في العام 2021 القانون الخاص باستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد. ومن جهته، عمد مصرف لبنان الى اصدار التعاميم اللازمة تباعاً لمواكبة هذه التشريعات وتحصين المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية . لكن السنوات الماضية كانت حافلة بالصعوبات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والامنية الناتجة عن الأزمة المتعددة الأوجه التي ألمّت بلبنان والتأخير في تنفيذ الاصلحات المنشودة .أضف الى ذلك تدهورالأوضاع الجيوسياسية مؤخرا من جراء الحرب المستمرة على غزة وجنوب لبنان وتداعياتها الملموسة على الوضع الاقتصادي في البلد”.

  
واعلن انه “منذ بداية الأزمة لغاية اليوم ،شهد الاقتصاد انكماشاً حاداّ حيث انخفض الناتج المحلي من حوالي 55 مليار دولار سنويا الى أدنى من 20 مليارا، وفقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، فيما بلغ متوسط التضخم 221,3 في العام 2023.   أما الموازنة، فانخفضت من 17 مليار دولار الى 3,2 مليار”، وقال: “لقد خلقت هذه الأزمات حالة  من عدم الثقة لدى المودعين، ما حرف النشاط الاقتصادي إلى خارج النظام المصرفي وأصبح نقديا بمجمله cash economy. ويعكس الاقتصاد النقدي المدولر تحولا  سريعا  نحو المعاملات النقدية بالعملات الصعبة، وزيادة النشاط الاقتصادي غير الرسمي، ما يشكّل خطراً كبيراً على الدولة ويهدد بعكس مسار التقدم الذي حققه لبنان في مجال مكافحة تبييض الأموال في القطاع المصرفي. لذلك، أصدر مصرف لبنان التعميم 165 الذي أتاح فتح حسابات جديدة بالأموال النقدية بالدولار والليرة اللبنانية لاستعمالها لتسوية التحاويل المصرفية الإلكتروية الخاصة بالأموال الـنقدية )fresh( وتسوية مقاصة الشيكات التي يتم تداولها أيضا  بالأموال النقدية، مما يحد من محاولات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ويحجم الاقتصاد النقدي. كما يعمل مصرف لبنان ومنذ فترة على تطبيق إجراءات لتعزيز استخدام وسائل الدفع الإلكترونية بهدف تقليل الاعتماد على النقد في السوق اللبناني،  تتماشى هذه المبادرات مع المعايير الدولية، لا سيما تلك التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”. 
 

وقال: “ان لبنان، كما البلدان المجاورة، يخضع لمزيد من التدقيق من المجتمع الدولي، ولا سيما الأميركي والأوروبي، ولهذه الغاية، يقوم المصرف المركزي بمتابعة التطورات في المنطقة بغية اصدار التعاميم اللازمة ضمن صلاحياته، ويقترح على الحكومة إجراء تعديلات على القوانين السارية وقوانين جديدة، ليبقى لبنان مندمجا في النظام المالي العالمي، مشيرا الى ان “مصرف لبنان أدخل مؤخرا تعديلات هامة على نظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتركز هذه التعديلات بشكل رئيسي على تعزيز إجراءات البنوك لمكافحة الفساد والرشوة من خلال إلزامها بانشاء مصلحتين ضمن “وحدة التحقق”، الأولى تشرف على المركز الرئيسي وفروع المصرف للتأكد من التزامها بإجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والثانية تعنى بـ”مكافحة جرائم الفساد والرشوة” من خلال: 
–     تنفيذ إجراءات العناية الواجبة المعززة للعملاء المعرضين لمخاطر مرتفعة في الفساد والرشوة. 
–     تقديم تدريبات للموظفين لتحديد الأنشطة المشبوهة المتعلقة بالفساد والرشوة والإبلاغ عنها. 
–     تطوير سياسات وإجراءات شاملة لمنع واكتشاف الفساد والرشوة. 
–     إجراء تقييمات دورية للمخاطر لتحديد وتخفيف مخاطر الفساد. 
–     إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة عن أي حالات اشتباه في الفساد أو الرشوة.”  
 

وتابع: “كما طلب مصرف لبنان مؤخرا من المصارف والمؤسسات المالية وشركات الإيجار التمويلي والمؤسسات التي تصدر وتروّج بطاقات الإيفاء والائتمان وتلك التي تتعاطى العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الإلكترونية ومؤسسات الصرافة وكونتوارات التسليف، تزويده بأسماء المساهمين وأصحاب الحصص وأعضاء ورؤساء مجالس الإدارة وكل من يشغل منصباً في الإدارة العليا التنفيذية فيها، من أجل التحققّ بشكل  دوري ما إذا كان أي من الأسماء مدرجاً على أي من لوائح العقوبات الأممية والدولية والوطنية. اضافة الى هذه الاجراءات، يقوم مصرف لبنان بالتعاون مع هيئة التحقيق الخاصة بإجراء سلسلة من اللقاءات مع القطاعات التي تشكّل خط الدفاع الأمامي في مواجهة  تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وفي هذا المجال، أطلقنا في شباط وآذار من هذا العام دورتين للامتثال القانوني والتنظيمي، الأولى لمؤسسات الصرافة والثانية لنقابة الصاغة والجوهرجية في لبنان”. 
 

وقال منصوري: “ان قرار مجموعة العمل المالي FATF سوف يقرّ في الخريف المقبل، ونحن ما زلنا نعمل جاهدين لمنع إدراج لبنان على القائمة الرمادية.  ويظهر تقرير التقييم المنجز من قبل المجموعة الإقليمية، وجوب مبادرة السلطات المحلية بإجراء تحسينات جوهرية في حزمة من التوصيات الأساسية حصل فيها لبنان على درجة «ملتزم جزئي اً»، ما يتطلب حكماً إجراء بعض تعديلات في القوانين والتدابير النافذة، بما يتناسب مع مقتضيات الامتثال لكامل المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، علماً بأن لبنان حاز درجات مرضية، ولو غير مكتملة، في التقييم العام لللتزام الفني، حيث حصل على درجة «ملتزم» أو «ملتزم إلى حد كبير» في 34 توصية من أصل 40 تعتمدها الهيئات الرقابية الدولية.  وفي ما يخصّ قياس الفاعلية، حصل لبنان على علمة «متدنية»، كشفت خصوصاً عن عدم كفاية القوانين والإجراءات في ملحقة ومصادرة المتحصلات الإجرامية والأصول ذات الصلة، والادعاءات والأحكام القضائية بجرائم تبييض الأموال، والتي يجب أن تكون أكثر اتساقاً مع المخاطر، لا سيما ضرورة وجود عقوبات متناسبة ورادعة بشأنها، في حين نجح نسبياً بحيازة درجات «متوسطة» يمكن تطويرها في 9 نتائج مباشرة من أصل 11 توصية واجبة الالتزام التام.  ويؤكد التقرير إن المصرف المركزي والقطاع المصرفي يلتزمان بمتطلبّات مجموعة العمل المالي )FATF(. 
 
اضاف: “بناء على ما تقدم، ان لبنان بحاجة الى وضع خطة عمل تشاركية مع كل الجهات المحلية المعنية، بدعم من السلطة التشريعية ومن صانعي السياسات لمعالجة الثغرات وتعزيز فعالية نظام مكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب اللبناني. بالفعل هناك حاجة لمقاربة حكومية شاملة لتنفيذ الإجراءات التصحيحية المطلوبة من الجهات الداخلية المعنية . ان مصرف لبنان، ومن خلال الصلاحيات المعطاة له بموجب قانون النقد والتسليف، يعمل على إرساء حالة من الاستقرار بانتظار الحلول الكبرى التي تتطلب قرارات جريئة وواضحة من السلطات السياسية التي يعود اليها فرض حلول تتناسب مع عمق الازمة التي تعيشها البلد”. 
 

وأشار الى انه  “نتيجة السياسات الجديدة التي اعتمدها مصرف لبنان مؤخرا ، انخفضت الكتلة النقديةّ بأكثر من 25% منذ بداية العام 2023، لتصل إلى 59 ترليون ليرة حالياً ( منتصف آب 2024 ). أما الاحتياطات الأجنبية للمصرف المركزي، فسجّلت فائضاً فاق المليار و800 مليون دولار منذ آب 2023، لتصبح 10,388  مليار دولار، مقابل كتلة نقديةّ دون الـ 700 مليون دولار”.

واعلن “ان قرارات مصرف لبنان حول وقف تمويل الدولة وعدم التدخل في سوق القطع وايقاف العمل بمنصة صيرفة، كان من نتائجها توقفُ  النزف وتحسنُ  الجباية كما استقرارفي مالية الدولة”. وقال: “لقد ساهمنا في تصحيح وتنظيم مالية الدولة بالكامل حيث أصبح بإمكان الدولة معرفة كيفية الصرف وقدرتها على الصرف من حساباتها الموجودة لدى مصرف لبنان، وقد لمسنا للمرة الأولى قدرة الدولة على ايجاد الحلول للمشاكل التي تواجهها بشكل طارئ كما حصل مؤخرا، من دون اللجوء الى الاستدانة من مصرف لبنان كما كانت العادة في السابق”. 
وقال منصوري: “نعود ونكرر أهمية الدعائم الأربع التي يجب الارتكاز عليها لاخراج لبنان من الأزمات العميقة التي تعصف به: أولاً، المحاسبة عن طريق القضاء حصرا ً، ثانياً وضع آلية واضحة لاعادة أموال المودعين، ثالثاً، بناء الاقتصاد من خلال إعادة إطلاق عمل القطاع المصرفي، ورابعاً، إعادة هيكلة الدولة وإجراء الإصلاحات التي طال انتظارها.” 

وختم: “أود أن أؤكد التزام مصرف لبنان بالتعاون الوثيق مع المصارف العربية ودعمه لها ولفروعها الموجودة في لبنان حيث نعتبر ان مكان لبنان الطبيعي هو في اندماجه الكامل مع محيطه العربي، ونحن نأمل أن تكون نتائج هذا الملتقى محطة مهمة لتعزيز آليات التعاون وتطوير السياسات المشتركة التي ستسهم في حماية نظامنا المالي من المخاطر المتزايدة في هذه المرحلة الحساسة.” 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى