بين “العميل” و”الشبيح”.. ضاعت البلد!
يختلف السوريون على كل شيء، وتنشب الحروب وحملات التخوين ويجاهر الجميع بامتلاك الحقيقة الحاسمة غير الخاضعة للنقاش. وتبدأ المعارك بسبب فيديو منشور أو بوست أو صورة. وإذا ارتدت إحدى فنانات الاستعراض سروالاً فاضحاً، أخذوا الموضوع باتجاه السياسة، فإذا ما كانت مؤيدة، فالذنب مغفور وله تبريرات كثيرة، أما إذا كانت معارضة، فهي عميلة للخارج! ويصح العكس بالطبع، فمن قسم المجتمع إلى أبيض وأسود، نسي موضوع الحرية في الصراع، وحق العقائد في إثبات نفسها عن طريق الحوار وتبيان وجهات النظر وليس بالهجوم التعسفي وإلقاء الاتهامات جزافاً.
يحتاج السوريون وقتاً طويلاً للاقتناع بأن التعددية غنى، وأن الخيطان الملونة تعطي النسيج جمالياته وميزته في مقاومة عوامل الطبيعة وإرضاء الأذواق. التعددية بمعناها التفاعلي وليس التناحري. فقد عانى المجتمع طويلاً من الأحادية والتنميط، وحان الوقت لأن يفرد كل شخص المساحات الواسعة للآخر، لأنه يستحق، بفعل الانتماء والقوانين والأخلاق.
تسبب مؤخراً، فيديو مصور للفنان ياسر العظمة، بجدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسم السوريون بسببه إلى ضفتين، كل واحدة تخوّن الأخرى. البعض احتكر الوطنية، وآخرون منحوا شهادات براءة الذمة. وشاركت في النزال، قبائل ألكترونية، القسم الأول أطلق على خصومه اسم “الشبيحة”، والثاني سمى المختلفين معه “بالعملاء للخارج”، ثم دارت رحى المعركة واستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة الممكنة، الشخصية والأخلاقية وغير ذلك.
قبل ذلك بفترة، كان الفنان عباس النوري، في واجهة الصدام على وسائل الإعلام، بعد حوار مع إحدى الإذاعات المحلية، عندما طرح آراءه إزاء مختلف القضايا الاقتصادية والسياسية الداخلية. فنُعت بالعميل والجاهل، وضعيف الموهبة في التمثيل.. وكانت هناك “كليشة” معدة سلفاً لابد من الالتزام بها، على كل من يدلي بدلوه في الشأن العام، ومن يخرج عنها، فهو عرضة للانتقام والتشويه، من القبائل الألكترونية التي تتحرك بإشارة تعطيها الأمر ببدء الهجوم على جبهة المعارضة والموالاة.
لن يتعلم السوريون من الدرس، في المدى المنظور. وعلى الأرجح سيعيدون الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً، حتى يقتنعوا، بعد خسارات فادحة وزمن طويل، بضرورة اعتماد قواعد مختلفة للحوار والتواصل. وهذا الأمر ينطبق على السياسة والاقتصاد وجميع الجوانب الأخرى. وستبقى مصلحة البلد ضائعة بين “المعارض العميل” و”الشبيح”، حتى لو تعلق الأمر بصورة “سيلفي” لفنانة من الدرجة العاشرة، أو ببوست منشور على الفيس بوك، أو فيديو لشخصية شهيرة. في حين يظهر بعض الأشخاص البسيطين، أكثر فائدة، وهم ينهمكون بأعمال تجدي نفعاً، بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي.
ما يجري في الشام، لا يختلف كثيراً عما يحدث في لبنان. رغم عدم وجود اتفاق “الطائف”، وتناحر الطوائف، وانقسام الجبهات، بين آذار وشباط وكانون.. فالشام، تعيد الكرّة نفسها، مع تعديلات بسيطة في الماكياج. لكن الثابت، هو أن ما يفتك بهذه الأمة، يراد له أن يتفاقم ويتجذر ويصبح شروخاً يصعب ترميمها. ذلك أننا لا نتعلم من الدروس، ولا نقرأ التاريخ، ومستعدون لإعلان الحرب من أجل “ناقة” أو “بعير”.
يقول المزارع أبو سعيد، وهو يبتكر طريقته في استنبات أشجار الزيتون في أرضه الكائنة على طريق المطار: “هذه الطريقة أجدى في الحصول على شجيرات تلائم البيئة وتعطي ثماراً مليئة بالزيت”. في حين يخترع مصطفى، بطارية تعتمد على خلايا “الليثيوم”، ويمكنها تشغيل اللاب توب لأكثر من ثماني ساعات. أبو سعيد ومصطفى، لم يشربا حليب النوق، حتى هذه اللحظة من الحرب، ولم يركبا البعير، كي يلحقا بالقبيلة!
الفينيق