إقتصاد

السرّ وراء إقفال مَمَرّ البحر الأحمر

● الدكتور بلال عدنان علامة – باحث سياسي وإقتصادي

على وقع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية ، حرَّكَت جماعة الحوثيين اليمنية هجماتها إنطلاقاً من الأراضي اليمنية لتقطع الطريق على السفن التجارية في البحر الأحمر، مما أدى إلى تصاعد حِدّة التوترات في المنطقة.

فبعد مرور أشهر على عملية “طوفان الأقصى” وتحديداً في 19 تشرين الثاني الماضي، بدأ الحوثيون باستهداف أكثر من سفينة اسرائيلية أو لها علاقة مع إسرائيل، وذلك في محاولة للضغط عليها لوقف الحرب على غزة والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى أهالي القطاع .

وقد صرَّحَ الحوثيون مراراً وتكراراً أن الإستهداف سيطال فقط السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة الى الموانئ الإسرائيلية ولن يتم إعتراض أي سفن أخرى حرصاً على استمرار عمل مضيق باب المندب كونه أحد الممرات الأساسية التي تربط الشرق بدول البحر المتوسط وأوروبا. ولكن رغم تأكيدات الحوثيين عن ضمان إستمرار حركة الملاحة في البحر الأحمر قامت الولايات المتحدة وحلفائها بشنّ عمليات عسكرية موضعية ضد الحوثيين في اليمن، مما أدى الى تعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر وقناة السويس، وعودة الاضطرابات إلى سلاسل التوريد العالمية.

عندها بدأت شركات الشحن الكبرى تعلن عن تغيير مسار سفنها لتجنّب المرور في المنطقة، مما ساهم في ارتفاع تكلفة النقل والتأمين على البضائع والسفن، وزعزعة أسعار النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تأخير الشحنات وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات والوقود، في ظل التخوف من حدوث صدمة تضخمية جديدة بالأسواق العالمية.

يُعد البحر الأحمر أحد أهم الشرايين الحيوية في نظام الشحن العالمي، فهو يربط ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، ويتدفّق عبره ثلث حركة تجارة الحاويات العالمية. لقد أظهرت بيانات مؤشر “كييل” التجاري لشهر كانون الأول 2023 أن التوتر في البحر الأحمر أدّى إلى إنخفاض حجم الحاويات المنقولة بنسبة 70 في المئة تقريباً، وهو ما يُمَثِّل أكثر من نصف الحجم المُعتاد. كما تسبَّبَت في إنخفاض التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المئة في الفترة الممتدة من تشرين الثاني إلى كانون الأول 2023.كما أثار الهجوم الذي وقع على سفينة “ميرسك جبل طارق” وقرار الشركة بإيقاف رحلاتها في البحر الأحمر موجة من القلق في صناعة الشحن، بحيث أعلنت نحو 18 شركة شحن عن تعليق رحلاتها في البحر الأحمر بما فيها “Hapag-Lloyd” و”MSC” و”CMA-CGM” ، بالإضافة إلى عدد من شركات النفط مثل “بريتيش بتروليوم” و”شل”، إما عن تعليق الشحنات مؤقتًا عبر البحر الأحمر أو إعادة توجيه السفن لأسباب تتعلق بالسلامة إلى طريق أطول عبر الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا وهو ما ساهم في اضطراب أسواق الشحن العالمية وزاد من تكاليف الوقود بنحو مليون دولار لكل سفينة.

كما ضاعف مدة الرحلة من 7 أيام إلى 20 يوماً ورفع أسعار الشحن إلى أكثر من 4 آلاف دولار للحاوية الواحدة طول 40 قدماً بين الصين وشمال أوروبا حالياً ، مقارنة بنحو 1500 دولار قبل بدء الهجمات.وأظهرت البيانات إستمرار الاتجاه السلبي الطفيف في التجارة العالمية والتبادل التجاري بين الاقتصادات الكبرى. إذ تباطأت التجارة العالمية في كانون الأول 2023، حيث انخفضت الصادرات الأوروبية بنسبة 2.0 في المئة، والواردات بنسبة 3.1 في المئة. وكانت شركة الشحن الصينية العملاقة المملوكة للدولة “كوسكو” قد أعلنت عن تعليقها عمليات الشحن إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، مع استمرار تصاعد التوترات في الممر الشحن الإستراتيجي.شهدت حركة الشحن في البحر الأحمر إنخفاضاً دراماتيكياً في كانون الأول، حيث انخفض متوسط عدد الحاويات المشحونة يومياً بنسبة 66 في المئة، من 500 ألف حاوية في تشرين الثاني إلى 200 ألف حاوية فقط، ويُعد هذا الانخفاض غير مسبوق في السنوات الأخيرة، حيث يُمَثِّل أدنى مستوى للحركة منذ عام 2016.لن تقتصر أضرار حرب البحر الأحمر على أحد أهم شرايين الشحن البحري العالمي إنما ستطال الأضرار قناة السويس كممراً هاماً لحركة التجارة العالمية، وهي أسرع طريق بحري لشحن الوقود والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والمنتجات المُصَنَّعة من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، حيث يَمُرّ عبرها نحو 12 في المئة من التجارة العالمية و30 في المئة من حركة الحاويات العالمية. هذا ويَعبُر القناة يوميًا ما متوسطه 50 سفينة تحمل بضائع بقيمة تتراوح بين 3 و 9 مليارات دولار أمريكي.

كما أنّ مكانتها الاستراتيجية جعلها مركزًا إقليميًا رئيسًا لشحن النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى، حيث تنقل ما يقدر بنحو 10 في المئة من النفط العالمي و8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال.

لذلك فإن ما يحصل يعتبر ضربةً إقتصادية لمصر وخطوةً بإتجاه الحصار الذي يفرض عليها من كل الجهات .مع إستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة تواجه الإقتصادات العالمية تحديات متزايدة، ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة وأن تستمر هجمات البحر الأحمر في التأثير على الاقتصاد العالمي لا بل من المتوقع حدوث تضخم كبير في كثير من إقتصادات العالم وإرتفاع متزايد في أسعار النفط والطاقة وخللاً كبيراً في الإنتظام العالمي لحركة النقل والشحن البحري نظراً إلى الدور الفعال الذي يلعبه مضيق باب المندب في عمليات الشحن ولعل الدولة الوحيدة التي لن تطالها تأثيرات ما يحصل في البحر الأحمر هي الولايات المتحدة الأميركية لا بل قد تستفيد منها. رغم ذلك يبقى البحر الأحمر الممرّ الذي يربط غرب آسيا وشرقها بالبحر الأبيض المتوسط وأوروبا حيث يُعتبَر الممرّ الأكثر فعالية وحيوية وتبقى التجارة الدولية تحت رحمة أمنه واستقراره وحتماً الحرب الدائرة فيه وعليه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى