ايران تفرض معادلة تأثير استثنائية.. ما هي أبعادُها وحدودُها ورسائلُها؟
ليست المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول ايراني عسكري أو سياسي عن تصنيع طهران وامتلاكها أسلحة وقدرات عسكرية نوعية ردعية، فمسار هذا التصنيع والاعلان عنه لم يتوقف منذ قيام الثورة الاسلامية لا سيّما بعد أن أصبحت ايران الدولة المستهدفة في المنطقة بدرجة أولى من قبل الأميركيين والاسرائيليين. ولكن أن يعلن قائد حرس الثورة في ايران اللواء حسين سلامي أنّ “القوّة لم تعد اليوم على أساس معادلات توازن الردع، بل على أساس معادلة التأثير”، فكيف يمكن تفسير ذلك؟ وما هي حدود وابعاد ورسائل هذا الموقف وهذه المعادلة: معادلة التأثير؟
بداية، لقد ثبّت قائد حرس الثورة اللواء حسين سلامي، رسائل الردع والقوّة التي عكستها تصريحات قائد القوّات الجوفضائية في حرس الثورة العميد حاجي زاده في مقابلته التلفزيونيّة التي سبقت تصريح سلامي، بقوله إنّ “نطاق شعاع قدرتنا نحدّده نحن، ومعيار القوّة الردعيّة والدفاعيّة هو في معادلة التأثير”. وذلك من خلال عرض واثبات الانجازات التالية:
- أظهر مقطع فيديو نشرته طهران مسيّرة “غزّة”، الحاملة برمزيّة اسمها دلالاتٍ قويّةً عن التأثير الإيراني وبُعده الجغرافيّ وصولاً الى البحر المتوسّط.
- اقتراب أنظمة الدفاع الجوّي الإيرانية من فلسطين المحتلّة، وذلك بعد اكمال تزويد سوريا براداراتٍ وصواريخ دقيقة، وتحديداً أنظمة الدفاع الصاروخي من طراز (15 خرداد) وصواريخ (صيّاد 2 و3)، والتي استطاعت في ايلول/ سبتمبر عام 2019 اسقاط مسيرة اميركية ( آر كيو-4 غلوبال هوك) من الأكثر تطورًا عالميًا.
- إيران اليوم قادرة على استهداف السفن الحربية الأميركية من على بعد 2000 كيلومتر، أي عمليًا، فإن الأسطول البحري الأميركي بأكمله في مرمى الصواريخ الايرانية.
- ايران تقترب من امتلاك صاروخ فرط صوتي بمحرك يتمّ تشغيله عند اقترابه مسافة 400 الى 500 كيلومتر من الهدف، ومنظومات هذا الصاروخ التوجيهية تمكنه من استهداف أيّ نقطة يريدها، مع سرعة فرط صوتية تتجاوز 13 ماخ (الماخ الواحد يمثل معدل سرعة الصوت).
- يكشف العميد حاجي زادة عن دخول صاروخ كروز “باوه” الخدمة بمدى 1650 كيلومتر، وقد بث التلفزيون الإيراني مشاهد حية عن تحليق هذا الصاروخ وتدميره لهدفه.
هذه المميزات التقنية والعسكرية والعملياتية لهذه الأسلحة الإيرانية تشكل نقلة نوعية لناحية مستوى المعركة بشكل عام، حيث تغير من قواعد الاشتباك التقليدية التي كانت حتى الآن ترعى المواجهة ضد ايران في المنطقة وتحديدًا في الخليج و”بحر عُمان وبحر العرب” ومضيق هرمز، كما أن هذه الأسلحة النوعية تضاعف من قيمة ومستوى الردع الذي استطاعت ايران فرضه حتى الآن في هذه المواجهة. وتأتي رسائل الاعلان اليوم عن هذه القدرات الردعية لأميركا و”اسرائيل” في مكانها ومضمونها وتوقيتها المناسب، خاصة في ظل تزايد الحديث عن احتمال تنفيذ “اسرائيل” اعتداء على منشآت نووية ايرانية، ومع معلومات عن احتمال تخلّي واشنطن عن تحفظاتها عن هكذا اعتداء، لا بل عن احتمال مشاركتها بقيادة هذا الاعتداء، بعد تسريبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن احتمال وصول ايران الى نسبة تخصيب اليورانيوم فوق 80 بالمئة.
في البعد الآخر والمختلف عن اشتباكها المباشر مع المشروع الاميركي – الاسرائيلي في منطقتي الخليج والشرق الاوسط، تكمن حساسية وأهمية ما حققته ايران عبر قدرات التأثير العسكرية النوعية التي أعلنت عنها، من خلال وضعها في إطار استراتيجي أبعد من صراعها المباشر ضد المشروع المذكور، لتكون لاعبًا أساسيًا مؤثرًا في الصراع الاستراتيجي الحالي بين اميركا والغرب الأطلسي وحلفائهم الاسيويين من جهة، وبين روسيا والصين وكوريا الشمالية من جهة أخرى، وذلك على الشكل التالي:
في الوقت الذي تجهد واشنطن لحشد أكبر عدد ممكن من الدول والقوى الاسيوية والغربية الاوروبية لتفعيل جبهة مواجهتها للصين ولروسيا، بحيث تعطي كل تركيزها وامكانياتها لمنطقتي شرق آسيا وشمال غرب المحيط الهادئ، وبحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، ولمنطقة شرق وجنوب شرق أوروبا، وتحديدًا في أوكرانيا وعلى حدود الناتو مع روسيا وفي البحرين الاسود والبلطيق.
وتجبر اليوم ايران، عبر امتلاكها قدرات تقليدية نوعية استثنائية، واشنطن على نشر قدراتها بشكل يأخذ بعين الاعتبار قدرات إيران النوعية، وبما يضطر واشنطن الى خسارة نسبة كبيرة من جهودها بمواجهة روسيا والصين، وفصلها لمواجهة الموقف والموقع الايراني الاستثنائي، وتكون بذلك قد أضعفت من مستوى قدرات واشنطن بعد تشتيتها بين شرق آسيا وبين شرق اوروبا وبين منطقتي الخليج والشرق الأوسط.
طبعًا، هناك تأثيرات عسكرية مباشرة لهذه القدرات النوعية التي لها طابع عالمي، أدخل امكانيات ايران بامتياز في مصاف امكانيات دولة كبرى ووضعها بقوة في دائرة التأثير الأبعد من محيطها القريب. وحيث كانت ايران وبقيادتها لمحور المقاومة قد خلقت حالة مواجهة فريدة ووحيدة للمشروع الاميركي – الاسرائيلي في منطقة الخليج والشرق الأوسط، بعد أن انصاعت كل الأطراف الأخرى بالتمام والكمال لهذا المشروع، وبعد أن امتدت ايران بقدراتها وبتأثيراتها انطلاقًا من الخليج ومحيطه المباشر إلى البحرين الأحمر والمتوسط لتنافس وتواجه وتصطدم وتتحدى أركان هذا المشروع الأميركي الصهيوني، هي اليوم تفرض نفسها وامكانياتها وتأثيراتها، حيثيةً استثنائيةً أبعد وأعمق في المدى الجغرافي وفي مستوى التأثير، حيثية ذات طابع عالمي تجاوزت كل الخطوط التقليدية لدولة عادية محاصرة ومستهدفة منذ أكثر من أربعين عامًا، ففرضت نفسها ومقارنة مع الدول الكبرى لاعبًا فاعلًا ومؤثرًا على المسرح الدولي لن يستطيع أحد تجاوز موقعه وحقوقه وامكانياته.
موقع العهد الإخباري -شارل ابي نادر