بلديات

من الورشة إلى المدرسة: إلياس الأشقر وبناء الحلم من الصفر.. حكاية رئيس بلدية بيت شباب الذي بنى حلمه بيديه

Spread the love

حين تزور رئيس بلدية بيت شباب، إلياس الأشقر، لا تجد سوى بابٍ مفتوح وقلبٍ أكثر انفتاحًا. ذلك البيت، الذي لم نطرق بابه يومًا إلا وكان عامرًا بالأهل والأصدقاء والمحبّين، بدا وكأن كل من فيه في داره.

في إحدى زياراتنا، صادفنا وقت الغداء. فأصرّ الأشقر – ومعه جمعٌ من الحضور – على أن نشاركهم مائدةً غنية، ليس فقط بالطعام، بل بالمحبّة، والدفء، والحديث الصادق العميق.

هنا، لا تكون ضيفًا… بل تُستقبل كصديق قديم أو جارٍ عزيز، وربما كأحد أفراد العائلة.

 روح الضيافة هذه، قبل أي مشروع أو منصب، هي ما يجعل التجربة مختلفة ومؤثرة.

بدأنا لقاءنا بكلمات عن ذكريات بيت شباب، عن طرقاتها التي حملت خطى الطفولة، وبيوتها التي ما زالت تنبض بالعراقة. استعدنا معًا مشاهد من الماضي: أحاديث الأهل، ضحكات الأجيال، وتفاصيل صغيرة شكّلت الذاكرة الجماعية التي ما زالت تربط أبناء البلدة ببعضهم كنسيجٍ واحدٍ حيّ.

لم تكن البدايات سهلة، لكن طموح شاب لم يتعدَ السادسة عشرة، جعل من “مكانسيّان” منطلقًا لمسيرة عصامية طويلة، تحوّل فيها من عامل كاراج إلى مؤسس مدرسة، ثم رئيس بلدية محبوب خدم بلدته 27 سنة بلا انقطاع.

في مقابلة إنسانية توثيقية مؤثرة، يروي رئيس بلدية بيت شباب سيرته من قلب التجربة، ببساطة صادقة وعزيمة واضحة، مع لمحات من تعب الحياة وصبرها، وأمل بالمستقبل.

“كنت دون العشرين، بالكاد بلغت السادسة عشرة. بدأت بالعمل، وسرعان ما أصبحت معلمًا في مجال ميكانيك السيّارات، ثم أنشأت كاراجًا خاصًا بي. كنت أشتري الشاحنات من الكويت، أفكّكها، وأعيد تجميعها في الكاراج وأبيعها. عملت كثيرًا.”

وهكذا مضى في دربه. تنقّل بين التجارة والعقارات، ومشاريع أخرى دعم بها نفسه ذاتيًا، دون أن يتلقّى ميراثًا أو مساعدة، بحسب تعبيره.

كانت المحطة المفصلية في مسيرته حين قرّر أن يحوّل فيلا اشتراها إلى مدرسة تخدم البلدة:

“يقول اشتريت هذا البيت، وقلت في نفسي: أريد أن أقدّم شيئًا نافعًا للناس. أنشأت مدرسة، جلبت مديرًا وهيئة تعليمية، ثم تسلّمت زوجتي إدارتها. استمرّت المدرسة 38 عامًا، وكانت من أفضل المؤسسات التعليمية في المنطقة.”

لم يكن هدفه تجاريًا بقدر ما كان رسالة تربوية واجتماعية سامية، هدفها تأمين تعليم نوعي لأبناء البلدة في بيئة لائقة ومحترفة.

العمل البلدي: من الناس وإلى الناس

ذاع صيته كرجل عصامي ناجح، فدُعي إلى الترشّح للبلدية. وبالفعل، أصبح أول رئيس بلدي لبيت شباب، في وقت لم تكن فيه البلديات منظمة كما هي اليوم. بدأ العمل على تطوير البلدة، ونجح في إحداث فرق ملموس:

“لم تُسجّل أي مشكلة طوال 27 سنة من خدمتي. كنت أضبط الأمور بحكمة. أما اليوم، فالوضع تغيّر؛ لم يعد هناك توافق، بل انقسامات، وكل طرف يعمل لمصلحته الخاصة. بات العمل البلدي أكثر صعوبة.”

ينتقد واقع الخلافات والانقسامات الراهنة، ويعبّر عن خيبة أمله من انعدام الرؤية والبرامج لدى المترشحين:

“لم أسمع أحدًا يطرح برنامجًا حقيقيًا. الجميع منشغل بالخلافات. أين الطروحات؟ أين الخطط؟”

رغم المكانة الكبيرة التي حظي بها، قرّر أن يعتزل العمل البلدي، إيمانًا منه بضرورة التجديد وإفساح المجال أمام الشباب:

“لم يكن القرار سهلًا، لكنني شعرت أن الزمن تغيّر، ومن الضروري أن يتولى الشباب المهمة. لم أرث شيئًا من أبي أو أمي، لكنني أعطيت كل ما أستطيع لهذه البلدة.”

ويختتم حديثه بفخر ممزوج بشيء من الحنين:

“عشت مع الناس هنا، 27 عامًا دون مشاكل. العيش في الضيعة يتطلب الصبر وتقبّل الآخر. هي جميلة، لكن تحتاج إلى روح جماعية وتحمّل متبادل.”

ليست هذه السيرة مجرد استذكار لماضٍ ناجح، بل قصة ملهمة تختصر الكفاح والطموح، وتحكي كيف تُبنى الأحلام بالعمل، لا بالوراثة.

هي شهادة حيّة على أن النجاح لا يُمنح، بل يُنتزع بالإصرار والتعب والعمل من أجل الآخرين.

وفي زمن تغيّرت فيه مقاييس القيادة والالتزام العام، يبقى هذا النموذج شاهدًا على معنى الانتماء الحقيقي، والبذل الصادق، والقيادة من موقع الخدمة.

ستار نيوز فيجن – محمد الحاجم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى