آراء ومقالات

عالمٌ ينهشُه النفاق والخداع

محمد الحاجم

في هذا العالم الذي نعيش فيه، تبدو الحياة وكأنها مسرحٌ كبير، حيث الجميع يلعبون أدوارهم بكل براعة، ولكن خلف الكواليس، لا نجد سوى الخداع والنفاق. تحوّل هذا العالم إلى مكانٍ لا تسكنه سوى المصائب، والحروب، والفقر، والظلم. كأننا نعيش في دائرةٍ مغلقةٍ من الشقاء، لا مفر منها، ولا نهاية لها.

أينما نظرنا، نرى الخداع يتنقل بين الناس كالعدوى، يعشعش في العلاقات والوجوه التي تختبئ وراء أقنعةٍ زائفة. عبارات منمقة تملأ الأجواء، ولكن ما وراءها لا يعدو أن يكون كذبةً أخرى، وجملةً فارغةً من الحقيقة. يُحسن الجميع التصرف، ويخدعون أنفسهم قبل أن يخدعوا غيرهم، فهل كنا قد سئمنا الصدق؟ هل أصبح النفاق هو اللغة الوحيدة التي نفهمها؟

وفي زحمة هذا الكذب، نجد الحروب التي تدور في كل زاوية من زوايا الأرض. حروبٌ بلا هدف سوى إشباع رغبات الفئة الحاكمة، أو لأجل مكاسبٍ تافهة. تتساقط الأرواح كما تتساقط أوراق الخريف، ولا أحد يهتم. النساء والأطفال يذرفون الدموع، لكن العالم يواصل صمته وكأن الألم لا يعنيه. وكلما حاولنا أن نبحث عن السلام، وجدنا أنفسنا غارقين في المزيد من النزاعات والدماء.

وفي هذه الفوضى، يعاني الفقراء وهم يزدادون فقرًا، حيث تتلاشى فرص الحياة الكريمة. يبيعون أعمارهم من أجل لقمة عيش، لكن لا يحققون إلا السراب. يبحثون عن أملٍ في عالمٍ لا يعترف بهم، بينما تسكنهم الآلام الجسدية والنفسية. ومع ذلك، ما زالوا يحلمون بيومٍ أفضل، رغم أن الحلم في هذا العالم أصبح كذبة أخرى.

لقد تغيرت ملامح العالم، وكأن الزمن قد أضاف لوجوهه المزيد من القسوة. لكن أكثر ما يؤلم، هو أننا فقدنا قدرتنا على الاستشعار بما يحدث حولنا. أصبحنا نعيش في حالةٍ من اللامبالاة، لا نهتم بالألم الذي يعانيه الآخرون بقدر ما نهتم بمصالحنا الشخصية الصغيرة. ننسى أن الفقر في مكانٍ ما هو الفقر ذاته الذي يمكن أن يمتد إلينا، وأن الحروب التي نشهدها اليوم قد تحرقنا غدًا.

إلى أين يسير هذا العالم؟ هل ستظل هذه الدورة من الألم والدموع والمصائب مستمرة؟ هل سيأتي يوم نكتشف فيه أن كل ما عشنا من أجله كان مجرد وهمٍ؟ لقد أصبحنا نعيش في عالمٍ يحيطه الشر، الذي يسرق أحلامنا ويطمس إنسانيتنا.

نحن بحاجة إلى صحوة، إلى لحظة نعود فيها إلى أنفسنا ونفكر في الطريق الذي سلكناه. إلى أن نبحث عن الأمل وسط الظلام، وأن نعيد الحب والصدق إلى قلوبنا قبل أن تتبخر. ولكن، في الوقت الراهن، كل ما يمكننا فعله هو أن نبكي على عالمٍ فقد معانيه، وأصبح ملئًا بالكذب والمآسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى