آراء ومقالات

الحب وحبر القلوب

محمد الحاجم

كان الحب، في أزمانٍ ماضية، كالحلم الجميل الذي يشرق في الصباحات، كالنجم الذي يهدي الطيور إلى أوطانها. كان الحب ليس مجرد كلمات تُقال، بل كان حقيقة تحيا في القلوب، وكانت العيون لا تنام ليلاً إلا على صورة الحبيب، وكانت الأرواح تتنفس بحريّة في فضاء العشق. كان الحب نابعاً من القلوب الطاهرة، وكان من يملك قلباً محباً يُعتبر أقوى من أي سلاح، وأجمل من أي صورة.

كان الحب رسالةً، كان يتسلل بين العيون ويجعل المحبين يتراقصون على ألحان الشوق. كانت القلوب تتوق إلى اللقاء، والعبارات تسري كالسحر على اللسان، فلا كلمات تكفي للتعبير عن حبٍ خالد، ولا لحظات تكفي لعيش العشق. كان الحب كالملوك الذين يسكنون القلوب، وقوته لا تُقاس بعدد الأيام، بل بحجم التفاني والإخلاص.

أما اليوم، فالحب قد تغير تماماً، لم يعد الحب كما كان. أصبح مجرد كلمات تُكتب وتُقال على الشاشات الصغيرة التي تضيء وتبتهج لوهلة ثم تختفي. أصبح الحب، مثل الحبر في الصحافة، يتحول بسرعة من الأسود إلى الأصفر. أصبح الحب ساحة معركة بين القلوب التي تسعى للسيطرة على الآخر، بينما تسعى النفوس المشتتة خلف سرابٍ يتبدد مع مرور الوقت. أصبحت العواطف سلعاً تُعرض وتُشترى، مثل الإعلانات والفضائح، في مكانٍ لا يعدو أن يكون مجرد عرض سريع للزيف والبهتان.

كان الحب سابقاً ميداناً للأرواح العاشقة. أما اليوم، في عالمٍ تتسارع فيه التغيرات، أصبح الحب، مجرد بضاعة رخيصة، يميل إلى التقلبات والتغييرات العشوائية، ويتغير مع سرعة الزمن. أصبح الحبر في القلوب يتلاشى مثلما يتلاشى الحبر على الأوراق، وينقلب من لونٍ إلى لون، حتى أصبح أثراً بعد عين.

وفي هذا الزمان، لم يعد الحب يُفهم كما كان، بل أصبح مسرحاً للتجارب العابرة، والألم الذي ينقض عليه الزمان، ليحوله إلى ذكرياتٍ قديمة ومواضيع تُثار في فتراتٍ زمنية قصيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى