الفن من أجل الإنسانية: حوار مع الفنان نعيم فرحات حول دور الفن في التغيير الاجتماعي

في قلب الصراع: كيف يعكس متحف فرحات معاناة الشعوب من خلال الفن

في عالم الفن، يُعتبر الإبداع بمثابة جسر يصل بين الحاضر والمستقبل، وبين الذات والآخر، ليحمل معه رسائل أعمق من الكلمات وتُحاكي الأبعاد الإنسانية في أسمى تجلياتها. الفن ليس مجرد ألوان على قماش أو أصوات تملأ الأرجاء، بل هو ساحة حية تلتقي فيها الآلام والآمال، ويصبح مرآةً تعكس واقعاً يختزن التاريخ والذاكرة الجماعية.

من هذا المنطلق، تتجلّى قصة السيّد نعيم فرحات كمثالٍ حيٍ على قوة الفن في التعبير عن القضايا الإنسانية، وتحقيق التغيير الثقافي والاجتماعي. فمسيرته التي امتدت عبر عقود من الزمان، والممتزجة بالمعرفة العميقة والشغف بالإنسانية، كانت الحافز الأساسي لإنشاء “متحف فرحات.. الفن من أجل الإنسانية”، الذي أصبح صرحًا ثقافيًا يعكس معاناة الشعوب وتاريخهم، ويخلد ذكرياتهم التي قد تُنسى في خضم الصراعات.

فرحات، الذي اختار الفن لغةً للتواصل مع العالم، لم يقتصر دوره على كونه جامعًا للأعمال الفنية، بل هو فنانٌ ومؤرخٌ في آنٍ معًا. من خلال متحفٍ جمع فيه بين التراث والمأساة، بين الأمل والمعاناة، ليقدم للعالم نموذجًا لثقافة فنية تُكرِّس الوعي بقضايا الإنسانية، وتُسهم في إعادة تشكيل الواقع. هنا، تبرز أهمية دوره كمبادر حقيقي في الحفاظ على ذاكرة الشعوب، وتحويل الأعمال الفنية إلى أدوات تغيير لا تُقدّر بثمن.

إن “متحف فرحات” ليس مجرد مجموعة من اللوحات والمنحوتات، بل هو مساحة حية لتبادل الأفكار والرؤى حول الواقع الإنساني، محفزًا لأجيال المستقبل بأن يكون الفن سفيرًا للسلام، والمصالحة، والحقيقة.

اليكم هذا الحوار الشيق مع الفنان نعيم فرحات:

بدأنا الحوار مع الفنان نعيم فرحات حول مسيرته الفنية التي بدأت منذ سنوات طويلة. يقول فرحات: “الفن بالنسبة لي ليس مجرد ممارسات جمالية، بل هو وسيلة للتعبير عن القضايا الإنسانية التي تلامس حياة الناس. منذ بداية الألفية الثانية، قررت تحويل شغفي بالفن إلى مشروع إنساني يلامس القضايا التي تؤرق العالم.”

وقد تحدث فرحات عن تأسيس “متحف فرحات” قائلاً: “كان المتحف بالنسبة لي ليس مجرد صرح فني، بل كان خطوة عملية لإيصال رسالة ثقافية وإنسانية. في المتحف أردت أن أجمع الأعمال الفنية التي تعكس المعاناة والتضحيات التي مر بها الشعوب في المنطقة، خاصةً في ظل الصراعات السياسية.”

تأثر فرحات بالفلسفة وعلوم الأديان خلال دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يرى أن الفن يمكن أن يكون أداة للتواصل بين الثقافات المختلفة. يضيف قائلاً: “الفن عندي ليس فقط تعبيرًا عن الذات، بل أداة لفهم الآخر، وللتفاعل مع الواقع الاجتماعي والسياسي.”

وحول تأثير الفنانة أسماء فرحات على مسيرته، يذكر فرحات قائلاً: “في عام 1996، كانت هناك مقابلة مع قريبة لي تُدعى أسماء فرحات، وهي فنانة مبدعة. لقد ألهمتني بأفكار جديدة حول كيف يمكن للفن أن يعكس القضايا الإنسانية الهامة، وبذلك بدأت في تطوير فكرة إنشاء متحف يركز على هذه القضايا.”

عندما نتحدث عن دور الفن في المنطقة، يوضح فرحات: “الفن في الشرق الأوسط له طابع خاص، في وقت كان فيه التصوير محرمًا، تطور الفن ليشمل العمارة والزخارف التي تعكس هوية الشعوب. وأنا أعتبر أن الفن في هذه المنطقة يحمل رسالة قوية، فهو لا يقتصر على الجمال بل يلامس قضايا العيش والصراع.”

وأشار فرحات إلى أهمية استخدام التكنولوجيا في الفن، قائلاً: “في عصرنا الحالي، أصبح الفن الرقمي جزءًا مهمًا من المشهد الفني. عملت على عدة مشاريع إلكترونية مثل “بنك الصور اللبناني”، الذي يهدف إلى جمع صور صحفية توثق تاريخ لبنان والصراع الفلسطيني. هذه الصور ليست مجرد توثيق، بل هي وسيلة لإيصال الرسائل الإنسانية التي تحملها.”

وأوضح فرحات أن الفن العربي في السنوات الأخيرة أصبح له تأثير قوي، خاصة في ظل الأزمات التي تشهدها المنطقة. وقال: “أعتقد أن الفن العربي قادر على نقل رسائل قوية للعالمية. رغم الأزمات، يظل الفن العربي يحمل الأمل والتغيير، ويعكس قضايا إنسانية عميقة مثل القضية الفلسطينية.”

أخيرًا، أكد فرحات على أهمية الفن في رفع الوعي حول القضايا الإنسانية، قائلاً: “الفن يجب أن يكون مرآة للمجتمع، ويجب أن يكون أداة للتغيير. من خلال متحف فرحات، أردت أن أظهر كيف يمكن للفن أن يكون أداة للتعبير عن معاناة الشعوب والأمل في التغيير.”

في نهاية الحوار، أكد الفنان نعيم فرحات على أن “متحف فرحات” ليس مجرد مكان لعرض الأعمال الفنية، بل هو مشروع ثقافي وإنساني يعكس القضايا الهامة في المنطقة ويساهم في رفع الوعي حول قضايا حقوق الإنسان، التاريخ، والعدالة الاجتماعية.