“كتاب السياحة الدينية في لبنان” في ندوة ضمن المهرجان اللبناني للكتاب
أقيمت في الحركة الثقافية – أنطلياس، ندوة حول كتاب “السياحة الدينية الثقافية في لبنان استراتيجية لتنمية مستدامة” للدكتورة ليلى مكرزل سعد، في إطار فعاليات المهرجان اللبناني للكتاب الحادي والأربعين، تحدث فيها كل من الأب الدكتور خليل علوان، الدكتور أنطوان مسرّة، الشيخ الدكتور محمد النقري وأدارتها الدكتورة نجاة الصليبي الطويل.
الطويل
بعد الترحيب، أشارت الطويل الى “اكتشاف الدول والمجموعات غير الرسمية أهمية الآثار كمصدر للمردود المادي، فأتى تنظيمها واستغلالها وتسخيرها كأداة فاعلة في المساهمة بتنمية الاقتصاد الوطني. فقد أنتجت السياحة المنظمة الدولية سنة 2023 ، 1400 مليار دولار”.
أضافت: “تطرح تساؤلات كثيرة حول تطور مفهوم السياحة وارتباطه بالتدين، ومن ثم بالثقافة عامة. مفاهيم دقيقة لها جذورها وتطورها وهي ترتبط بالتنمية المستدامة وضرورة وضع استراتيجيات تبلورها وتحد في الوقت ذاته من التجاوزات المؤذية لمحيطها، اضافة الى تنشيط مجالات افادتهم منها والمحافظة عليها للأجيال القادمة”، معتبرة أن “هذه الخطط الرسمية أو المدنية ترتكز على أسس ثلاثة عبر توافق بين المجالات البيئية والاجتماعية والاقتصادية”.
ورأت أن “الكتاب البحثي للدكتورة مكرزل سعد يأتي ليدرس ويفند كل عنصر ويربطه بظروفه وتطوّره عبر العهود. ويحدد كل مفهوم ويعطي أمثلة ويعود الى مراجع كثيرة غنية باختلافها وتكاملها”، مضيفة: “هو ليس بحثاً فقط إنما مرجع وطني وثقافي للسياحة الدينية في لبنان، وبالأخص المسيحية، مع تفصيل مخاطرها. وتعطي في الفصل الثالث الأخير مثلاً تطبيقياً واضحاً عن مزار عنايا”.
وختمت: “يعكس عنوان الكتاب مفاصل الموضوع بطريقة واضحة: السياحة الدينية الثقافية في لبنان استراتيجية لتنمية مستدامة على أمل أن يعي المسؤولون في وطننا الزاخر بالأثار أهمية تنوعها وغناها، والتي تمزج بين سحر الطبيعة والتاريخ والفلسفة والدين، فيخططون لاستراتيجيات اقتصادية مستدامة مع تأمين الظروف المؤاتية لها وبخاصة الأمنية”، مهنئة الدكتورة مكرزل سعد “بصدور الكتاب القيم عن الجامعة اليسوعية العريقة وكرسي الأونيسكو”، متمنية لها “النجاح الدائم”.
علوان
استهل المرسل اللبناني الأب علوان مداخلته، بالتعبير عن اعجابه “بهذا البحث الشيق للدكتورة ليلي مكرزل سعد، وعن تقديره لشموليّة الموضوع الذي يتطلب الكثير من الصبر والدقة في التعبير والمثابرة وصولا الى استخلاص النتائج العلمية”، معبرا ايضا عن تقديره لايمانها بلبنان “ارض القداسة والقديسين وبالسياحة الدينية كاستراتيجية فعّالة للتنمية المستدامة، واحترامه لمحبتها للقديس شربل، الذي بشفاعته خلاص هذا الوطن”.
أضاف: “لقد استطاعت المؤلفة، في 448 صفحة، أن تعالج السياحة الدينيّة كوسيلة للتنمية المستدامة، وقد شملت أطروحتها جميع الممتلكات التراثية، كالكاتدرائيات والكنائس والمساجد والأديار والمعابد والمدافن والمقدسات والمناظر الطبيعيّة المقدسة ذات القيم الدينيّة أو الروحيّة المعيّنة. عرفت الباحثة كيفيّة إظهار تأثير هذه السياحة، سلبًا وإيجابًا، على جميع مرافق الحياة ومستوياتها الدينيّة والتراثيّة والفنيّة والثقافيّة والتنموية والاقتصادية”مقسمة أطروحتها الى ثلاثة أجزاء مع مقدّمة وخاتمة” .
وتابع: “في الجزء الأول، عالجت ظاهرة السياحة الدينيّة بصورة عامة، بدءًا بمصادرها الدينية والثقافية، ثم بديناميتها الزمنية، مفصلة الفرق بين السياحة الدينيّة والحج. لتنتقل في ما بعد الى المساهمات الاجتماعية والاقتصادية في تطوير هذه السياحة. وخلصت في الجزء الاول من البحث، الى أن السياحة الدينية هي فرصة للقاء التراث والثقافة والدين والتنمية. في الجزء الثاني من البحث، تنتقل الدكتورة ليلي من البحث في السياحة الدينيّة بشكل عام الى السياحة في لبنان. وتستعرض مقدرات هذا “اللبنان”، الوارث للعديد من الحضارات والثقافات والأديان، والحاوي مكّنات هذا المزيج من هذه التراثات. وتتساءل هل يستطيع “وطن الأرز” بفضل السياحة الدينية ضمان التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟ وللإجابة على هذا السؤال تستعرض الباحثة واقع السياحة الدينية وتداعياتها. فتقيم الظاهرة الدينية في هذه الارض المقدسة وهويتها وصورتها وتنوع تراثاتها الدينية وأماكنها المقدسة. وتنتقل الى تحليل الواقع الحالي للسياحة الدينية، فتحدثنا عن ظاهرة الحج لدى المسيحيين والمسلمين، النابع من الايمان بالله وأنبيائه وقديسيه”.
وتابع: “وتكرس فصلا أخيرا، لتتعدد إيجابيات السياحة الدينيّة على المستوى الاجتماعي والثقافي كالحوار بين الأديان الممارسات التقوية والطقوس المشتركة واحترام التعددية غناها. وتخلص في ختام هذا الجزء التحليلي للواقع اللبناني الى اعتبار أنّ السياحة الدينية هي الفرصة الأكيدة لاستنهاض الاقتصاد في لبنان والتنمية المستدامة فيه، فتقول: “إن إعلان عام 2018 عاما للسياحة الدينية في لبنان، يؤكد قناعة الحكومة اللبنانيّة وصحوتها على إمكانات السياحة الدينيّة لتكون ناقلاً للتنمية المستدامة”.
وقال: “وأما في الجزء الثالث والأخير، فتختار الباحثة دير مار مارون عنايا، حيث يقع ضريح القديس شربل، والذي يستقبل 4.5 مليون زائِرٍ سنويا، نموذجا لتطور السياحة الدينية المستدامة التي تفضي الى التطور المتعدد الأبعاد والدائم للقرى والبلدات النائية”.
أضاف: “في ختام هذه الدارسة الشيّقة، تعرض الباحثة الكريمة لمكونات الحالة اللبنانيّة فتقترح توصيات، وتستخلص ثوابت أربع: تثبت السياحة الدينية في لبنان، التي هي سياحة مستدامة، التماسك الاجتماعي وتشكل منصة للقاء والحوار والتسامح؛ تساهم السياحة الدينية في إعادة التوازن المناطقي للأنشطة خارج المدن السياحية المعروفة، مما يجعل هذه السياحة تكاملية مع الاقتصاد المحلي؛ تسهم الحركة السياحية التي تقام في لبنان، سواء من قبل المواطنين من الداخل اللبناني أو من قبل المغتربين والسياح الاجانب من الخارج، في التنمية الإقتصادية وفي تغيير مستوى معيشة المواطنين؛ تسلط السياحة الدينية في لبنان الضوء على التراث العمراني والطبيعي والحي وتقدره كثروة متميزة، وتحافظ عليه كنزا غاليا”.
وأردف: “يهمني في ختام هذه الجولة الشاملة حول هذا الكتاب، أن أشكر الدكتوره ليلى على اهتمامها بشأن السياحة الدينية وعلى ذِكرها مرارا جمعية “تنمية الحج والسياحة الدينية في لبنان”، التي تأسست عام 2007، بتكليف من لجنة متابعة توصيات المجمع البطريركي الماروني، وتنفيذًا لمقرراته”.
وزف الى اللبنانيين في الختام، خبر بدء مسيرات الحج داخل لبنان على غرار مسيرات الحج الى كامبوستيلا – اسبانيا، في مناسبة إعلان قداسة البابا فرنسيس العام 2025 “سنة يوبيلية”، “سنة حج وصلاة”، تحت عنوان “حجاج الرجاء”، وقال: “هذا المشروع الذي يدعى “دروب لبنان” “Caminos of Lebanon”هو مشروع طموح يهدف إلى جمع رحلات حج التي تربط بين المزارات المقدسة والمواقع الروحية المسيحية والإسلامية في لبنان من خلال عدة دروب في مختلف المناطق، مما يعزز اشراك جميع الأديان والكنائس في مسيرة واحدة من شأنها تعزيز القيم المشتركة والتنمية المستدامة التي طالما حلمنا بها وسعينا إليها”.
نقري
وأجرى الشيخ نقري قراءة حول الكتاب، فقال: “ضوء البدر حين يسطع نوره يختفي بريق نجوم السماء. هذا شعوري الأول لقراءتي ما خطته أنامل الكاتبة ليلي مكرزل في كتابها عن السياحة الدينية الثقافية. الأمر الثاني الذي جعلني أحيد عن الدخول مباشرة في موضوع هذا الكتاب ما خطه الدكتور أنطوان مسرة من كلمات رائعة ودقيقة ومفصلة لتكون مقدمة لهذا الكتاب ولكلمته التي أتحفنا بها في لقاء هذا المساء” مشيرا الى أن “مداخلته ستتسم بطابع الخصوصية حول السياحية الدينية الإسلامية. “
أضاف: “في احدى النصوص المتداولة عن شيخ المتصوفين المسلمين في القرن الثامن الميلادي أبو يزيد البسطامي، ما روي عنه أنه قال : مررت بدير فيه راهبة، فسألتها أهنا مكان طاهر أصلي فيه؟ فقالت: طهر قلبك، وصلِ حيث شئت. لعلي بهذه البداية أكون قد أخذت منحى جديداً في قراءتي لهذا الكتاب القيم. فمن عنوانه سمحت لنفسي بالغوص في أعماقه للتعرف على جواهره الثمينة، فهو ليس كتاباً عن السياحة الدينية التجارية التي أخشى من تفاقمها وأجانبها، بل هو عن السياحة الدينية الثقافية التي أنحو اليها وأشجعها”.
وتابع: “في مجال المقارنة لاختيار أماكن السياحة الدينية ولمعرفة روحية المكان الذي يقصده الزائر ومدى تأثيره عليه في بناء شخصيته الروحية أو المادية، أذكر ما حدث لإمام العيش المشترك الأوزاعي الذي وقف في القرن السابع الميلادي مناصراً مسيحيي المنيطرة في جبل لبنان ضد الوالي العباسي، فحين سافر الى بيروت من مدينة ولادته كرك نوح المجاورة لمدينة زحلة، وقف قبل الدخول اليها على مشارفها ليسأل عن وجهته فصادف امرأة عجوز في مقبرة من الضواحي فسألها أين المعمورة فأجابته وهي تشير بأصبعها الى المدافن: المعمورة ها هنا، ثم أشارت بإصبعها الى ناحية بيروت وقالت له وأما “الخرابة فهناك”، فأعجب الامام الاوزاعي بإجابتها وعفويتها وعمق فكرها الإيماني، ثم استقبل وجهته قاصدا بيروت وحين وصل الى أسواقها التجارية سمع صوت أحد الباعة وهو ينادي : “معنا بصل أطيب من العسل”، فوقف الامام غاضباً ونهاه عن هذه الكلمات وليطالبه بأن يكون لسان حاله في تجارته صادقا، وانه سيحاسب امام الله عن زلات لسانه. حينها قرر الاوزاعي السكن في بيروت متخذا زاويته في الوسط التجاري لبيروت التي ما زالت قائمة الى الآن ليرشد الناس الى القيم المثلى للدين، وليقف على سر هذا التأرجح بين الثقافة الدينية والخدع التجارية داخل المجتمعات حين تجمع بين حكمة عجوز آثرت العيش بجوار المدافن ودهاء تاجر كاذب يجول في الأسواق”.
وفي معرض إشارته الى خصائص السياحة الدينية الإسلامية، ذكر بالنصوص التأسيسية للسياحة الدينية عند المسلمين والتي تتفرع الى نصوص قرآنية ونصوص مستمدة من كلام النبي محمد ، مشيرا في النص التأسيسي الرابع وهو الحديث النبوي ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا”، وهذا النص يتعلق بالمفهوم اللغوي للحج وليس بالمفهوم الديني الا في جزئية منه، فالسياحة الدينية بمعناها االحصري تتحقق بزيارة الأماكن الثلاثة الأشد قدسية عند المسلمين وهي المسجد الحرام في مكة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس الشريف”.
أضاف: “لهذا السبب نستطيع أن نقول بأن السياحة الدينية عند المسلمين وخاصة السنة ترتكز بكثافة عددية هائلة على زيارة هذين المكانين بانتظار تحرير المكان الثالث المسجد الأقصى في مدينة القدس الشريف، وتهمل زيارة باقي الأماكن الدينية، سواء في لبنان أو في بلاد العالم. أضف الى هذا الأمر ما ذكره المستشرق Henri BOUSQUET Georges في كتابه , Les grandes pratiques rituelles de l’Islam, بأن الأماكن الدينية عند المسلمين لا تحتوي على ما يشد الإنتباه كما في الكاثوليكية والأورثوذكسية، فلا وجود لآلات موسيقية ولا تماثيل ولا صور ولا كؤوس ولا صواني ولا شمعدانات ولا بخور، بل كل ما فيها عبارة عن بسط تفترش الأرض للسجود أثناء الصلاة، ومنبر للوعظ ومحراب للإمام. فبهذا المعنى يستطرد المستشرق بأن المسلمين لا يستطيعون وضع أي أدوات دينية كما في متحف Musée Guimet في فرنسا. وإن كانت العمارة الإسلامية والزخرفة والخطوط العربية التي تزين جدران المساجد تلفت الانتباه وتحث على زيارتها”.
وقال: “يبقى أن أسأل قبل أن أختم مداخلتي عن السياحة الدينية هل يجب أن ندلي اهتماما في المقام الأول للسياحة الدينية في النفوس قبل الأمكنة وما تحويه من نقوش ونصوص. لأجيب عن هذا السؤال أعود الى الوراء قليلا لأتذكر زيارة أحد الكرادلة من أمريكا الى دار الفتوى موفداً من قبل البابا طيب الذكر يوحنا بولس الثاني وما دار بيني وبينه من حوار حين ذكرت له مشروعا تساهم به المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية يتضمن بأن تنشأ مكاتب سفر تمنح تخفيضات كبيرة لمن أراد من رجال الدين السياحة بصحبة رجال دين آخرين من مذاهب مختلفة، وهدفي بذلك بأن هذه السياحة الدينية داخل النفوس هي أحرى بالتشجيع، انطلاقاً من كلام الراهبة التي طلبت من شيخ المتصوفين البسطامي بأن يطهر قلبه ويصلي أينما شاء، باعتبار أن طهارة القلوب أولى بالاتباع من طهارة الأمكنة، فتكون السياحة الدينية بهذا المعنى التي تعمل عملها داخل قلوب المؤمنين وخاصة رجال الدين أولى بالإهتمام والتشجيع من زيارة الأمكنة السياحية وأنها ستجني ثمرات من الصداقة والأخوة تعود فائدتها على المؤمنين جميعا بكل الأديان. لا أخفي عليكم دهشة الكاردينال وبريق عينيه وابتسامته وهو يحدثني معتقداً بأن هذا المشروع هو قيد التنفيذ، فأجبته بأنه ما زال من لبنات أفكاري نتيجة الصداقة والمحبة التي تربطني برجال دين مسيحيين في سفراتنا المتعددة الى الخارج. فتمنى لي تحقيق هذا المشروع ودعمه له.”
وأردف الشيخ نقري: “السؤال الثاني الذي به أختم حديثي وهو سؤال أدلي به دون أن أعطي جوابا مفصلا عنه : في مجال التنافس بين الطوائف والرغبة في جذب المؤمنين في كل دين ومذهب، هل يحق للمؤسسة الدينية تمرير بعض الأساطير الخيالية حول الأماكن والشخصيات الدينية ؟ في حديث جمعني برجال دين من كل الطوائف ومن خلال ابحاثهم تبين لي دون أن أدخل بجوهر اجاباتهم على هذا الموضوع، بأن بعض الأساطير تحاك فعلا عن أماكن وشخصيات دينية تشد اليها الرحال في لبنان من قبل المؤمنين. وقفت على هذه الإجابة ليدب بي الذعر والخشية من الأجيال الصاعدة التي لم تعد تتقبل الخرافات والأساطير وخاصة عندما تتوشح بمظاهر دينية براقة وخداعة، فتذكرت المقولة التي تنسب الى André Malraux المفكر الفرنسي الفيلسوف والوزير في فترة رئاسة الجنرال ديغول حين قال : ” Le 21ème siècle sera religieux, ou ne sera pas “.
وختم: “أخشى بأن يصبح القرن الواحد والعشرين لا دينيا إذا لم نضع حدا لانتشار هذه الأخطاء والأوهام المقصودة داخل كل الأديان، وأن نستبدلها بنشر قيم المحبة والسلام والعدل وقول الحقيقة مهما كانت الأسباب والمكاسب والمحفزات”.
مكرزل
وفي الختام شكرت المؤلفة الجميع “محاضرين وحاضرين، تحيطون بالكتاب وبالكاتبة، مما يعكس اهتمامكم بموضوع هذا العمل، إضافة الى محبتكم، وهذا مدعاة فرحي وفخري، ومصدر قوّة مضافة للمتابعة.”
وقالت: “يتمحّورهذا الكتاب حول سؤال أساسي: كيف نجعل من السياحة الدينية سبيلا للتنمية المستدامة؟ أما الجواب، الذي حاولت اظهاره من خلال هذه الصفحات، فقد ولد قناعات أذكرها باقتضاب، وهي نتاج عمل بحثي وتطبيقي على الأرض استغرق أكثر من خمس سنوات: القناعة الأولى أن لبنان ارض مقدسة زارها السيد المسيح، واجترح أولى عجائبه في قانا الجنوب، وهو كذلك أرض القديسين والأنبياء والأولياء وشهداء الايمان الذين رووا ترابه؛ تنتشرعلى خريطته الصغيرة، مئات بل ألآف المعابد والمزارات والآثار الدينيّة، (1927 كنيسة على اسم 678 قديس موزعة على 929 قرية ومدينة). هذا الأرث الغني غائب عن اهتمامات السلطات المعنية، والمجتمعات المحلية. وهذا ما يستوجب التدخل واعطاءه الأولوية”.
وأضافت: “القناعة الثانية تعتبر أن غنى هذا التراث لا يقتصر على النواحي الثقافية والتقوية والاجتماعية- وكلها اساسية- إنما يتناول خاصة المنحى الاقتصادي، لأن السياحة الدينية في لبنان تشكل مصدر دخل فردي وقومي لم نستثمر منه حتى الآن إلا الجزء المحدود. إننا أمام ورشة عمل لا تنتهي ينبغي أن تقودنا الى إنقاذ اقتصادنا”.
وأردفت: “القناعة الثالثة تؤكد أن تفعيل السياحة الدينية باتجاه إنماء شامل ومتكامل ومستمر هو عمل ضروري، ولا يجب أن يكون انفراديا، او ارتجاليا، او فورة عاطفية او عصبية او طائفية، إنما يتطلب خططا حكيمة ومُحكمة، ويشترط تعاضدا مدروسا بين جميع مكونات هذا القطاع، بغية وضع الاستراتيجية الهادفة والمتناغمة. وينبغي لهذه الاستراتيجية أن تنطلق من الارض وأصحابها، ومن مبادراتهم وأفكارهم الخلاقة، فتبدأ مع السلطة المحلية، وتشمل كل القطاعات المعنية بالسياحة، مع التأكيد أن للأوقاف دورا أساسيا، وأن على الدولة وجوب الرعاية الدائمة”.
وقالت: “القناعة الرابعة تعتبر أن هذه المعالم الدينية هي واحات تلاق ووحدة بين اللبنانيين، وذلك من خلال الزيارات واللقاءات والنشاطات المتعلقة بها، لأن السياحة الدينية والثقافية ليست فقط اكتشافا للمعالم، إنما للذات وللآخرين، وهذا غنى تنوعنا”.
وختمت: “إن أرضنا التي تضم كل هذا التراث الغني هي حقيقةً وقف الله، والوقف لا يباع، وليس هو موضوع تفاوض، أو مغامرة تجارية، او مقامرة سياسية على موائد الأمم. إن هذا الكتاب بموضوعه وأهدافه العميقة، هو دعوة لنا في هذا الظرف الأصعب من تاريخنا المعاصر، الى مزيدٍ من الرسوخ، حتى نتشبث بأرضنا التي هي جزء من إيماننا، والى مزيد من الشموخ، حتى نرتفع فوق يومياتنا وخلافاتنا، فنبقى على مستوى رسالة لبنان، ودعوته، ودعوتنا التاريخية” .