استحضار أدوات الفتنة
كتب ناصر زيدان في جريدة الأنباء:
بينما يعيش لبنان أسوأ حالة اقتصادية وسياسية منذ تأسيسه، تدور الدوائر في بعض المنتديات وفي الغرف المعتمة، محاولة إنتاج فتنة تشغل المواطنين وتنسيهم همهم المعيشي القاسي، وتهدد ما تبقى من الوطن الجريح. لكن ذلك لا ينطبق على كل المواقف التي تتحدث عن ملف النازحين السوريين والتي لها أهداف وطنية خالصة، حتى ولو كانت تحمل بعض التسرع او الانفعال، على اعتبار أن الملف هام ويجب معالجته بحكمة وروية وبالقانون، حفاظا على مصالح اللبنانيين من جهة، وكي لا يصيب أي أذى للنازحين من جهة ثانية.
لعل استحضار الأوراق القاتمة بمناسبة فتح النقاش على موضوع النازحين السوريين، يؤكد وجود نوايا مبيتة تستغل الملف لتنفيذ أجندة خاصة، وقد بدا واضحا أن جهات خارجية تقف وراء هذا المخطط، لأنه يشبه ما حصل سابقا في العراق، وفي بعض مناطق سورية، لناحية وجود الأدوات ذاتها، ومنها خصوصا إبراز دور المنظمات الإرهابية المتطرفة – لاسيما داعش – وقد كان لافتا أيضا التحرك الذي قامت به مجموعة قيل أنها تتبع لحزب التحرير في مدينة طرابلس بحجة الدفاع عن حقوق النازحين، وهذا الحزب المحظور قانونا، لم يقم بأي تحرك منذ فترة طويلة، مما يؤكد وجود جهات دفعته للظهور لتوتير الأجواء، وصولا ربما لإحداث فتنة بين اللبنانيين.
السوريون المتواجدون في لبنان 3 أنواع. الفئة الأولى موجودة قبل اندلاع الأحداث العام 2011، وهؤلاء يعملون في قطاعات البناء والزراعة والخدمات الأخرى، والاقتصاد اللبناني يحتاجهم نظرا لعدم وجود يد عاملة لبنانية كافية تعمل في هذه القطاعات. وفئة نزحت هربا من الحرب التي وقعت في المدن والقرى التي ينتمون إليها، وقسم منهم دمرت منازلهم، أو تم الاستيلاء عليها بالقوة، وربما يكون بعضهم قادر على العودة الى سورية، لاسيما اذا توافرت لهم مساندة مالية. وفئة ثالثة معارضة للنظام وهناك خطر على حياتهم فيما لو رحلوا من لبنان من دون ضمانات عربية أو دولية.
فتح ملف النازحين من خلال منابر لمرجعيات دينية أو سياسية محسوبة على قوى محور الممانعة، أثار مخاوف عن وجود أهداف سياسية من وراء توقيت طرح الملف، وأهم هذه الأهداف دعم موقف مرشح هذه القوى لرئاسة الجمهورية النائب السابق سليمان فرنجية، واعتباره قادرا على معالجة تداعيات الملف مع الحكومة السورية، والهدف الثاني، الطلب بشكل غير مباشر دعم مالي من الدول العربية التي اشترطت من الحكومة السورية إعادة النازحين خارج البلاد قبل تسوية الخلاف معها، على اعتبار أن حل معضلة التهجير تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لإعادة إعمار المناطق المدمرة.
إثارة الهلع والتحريض بطريقة تخويفية واسعة في هذا الوقت بالذات، يخفي نوايا خبيثة، خصوصا مع استحضار كلام ومواقف قديمة – كما حصل مع. تعميم شريط مستنكر لمواطن سوري يقطن في السويد قاله منذ 3 سنوات – ونشاط بعض البلديات المستجد بحجة تنظيم شؤون النازحين، لا يعالج المشكلة الأساسية، بل قد يؤدي إلى وقوع أحداث أليمة ناتجة عن يأس عند النازحين الهاربين من الظلم، وليس لديهم مكان آخر يحتمون فيه.
إن التجاوزات الأمنية التي يقوم بها بعض الأفراد من النازحين، ومنها المشاركة في عمليات خطف او سرقة او تهريب مخدرات، لا تبرر الأجواء العنصرية التي يتم تعميمها ضد جميع النازحين. علما أن تحقيقات أمنية جرت مع مرتكبين، أثبتت أن غالبية هؤلاء يتمتعون بحرية حركة في لبنان، ومحسوبين على بعض أحزاب الممانعة، ولديهم قدرة للذهاب الى سورية والعودة منها بدون أي عوائق.
حالة الهستيريا التي يشجعها البعض، ورفع الشعارات العنصرية ضد النازحين، استحضار لأدوات الفتنة، ولا تفيد بحل مشكلة النزوح الموجعة للبنان. فالحل بالتعاون مع المجتمع الدولي لإيجاد أرضية مناسبة وضمانات كافية لهؤلاء للعودة، والتعامل وفق القانون مع المخالفين لأصول الاستضافة.